البيت الحرام تشتاق إليه الأرواح ولا تقضي منه وطراً، ولو ترددت إليه كل عام استجابة من الله تعالى لدعاء خليله في قوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم:37] وهذه آية من آيات الله سبحانه تعالى، إذ تجد القلوب تنجذب إليه مهما كانت التضحية، ومهما كانت الأموال، ومهما كانت المشقة، ومع ذلك فألذ شيء عنده أن يرحل، خصوصاً الذين يأتون من الباكستان والهند، تجد علامات الفقر الشديد بادية ظاهرة عليه، وتجد الرجل قد أتى بزوجته، وربما بأبيه وجده ونسائه وأولاده، تمشي قافلة أسرة واحدة في حالة من الفقر البادي والظاهر عليهم، ومع ذلك يأتون وهم أشد الناس فرحاً بوصولهم إلى هذا البيت الحرام، فهذه من آيات الله سبحانه وتعالى، وهي ظهور أثر استجابة دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام.
جماعة من المنصرين في أندونيسيا ظنوا أنهم أفلحوا في استعباد واستغلال الفقر والجهل والمرض عند المسلمين هناك، فأقنعوهم في الظاهر، وانقاد لهم العشرات مقابل الأدوية والأموال والملابس والإعانة؛ لأنهم في حالة فقر شديد، فاستطاعوا أن يغرروا ببعض المسلمين الجهلة، واستجابوا في الظاهر لهؤلاء المنصرين المكفرين المبشرين بالنار، حتى أفلحوا وأخذوهم إلى الكنيسة وعمدوهم في الكنيسة، فقال لهم القسيس بعدما فرغ من تعميدهم: الآن نريد أن نكافئكم على دخولكم في النصرانية، كل واحد يطلب الأمنية التي يحبها، ونحن ننفذها له مهما كانت، فبصوت واحد أجابوا جميعاً وقالوا: الحج إلى مكة! ونسوا كل شيء، لماذا؟ لأن القلوب تهوي إلى هذا البيت الحرام، وكل مؤمن في قلبه إيمان وحب لله ورسوله عليه الصلاة والسلام يجد هذا الانجذاب، وهذا أثر إجابة دعوة إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: (إن هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار)، والحرم المكي حرمه إبراهيم عليه السلام، والمدينة جعلها حرماً النبي محمد صلى الله عليه وسلم بشرعه وشريعته، وما عدا ذلك فكل الأرض حلال، فليس في الأرض حرم إلا مكة والمدينة، وهناك خلاف في واد في الطائف، لكن الظاهر والمشهور أن الحرم حرمان: الحرم المكي والحرم المدني، والمسجد الأقصى لا دليل على أنه حرم، وكذا الحرم الخليلي، فليسا بحرم، ولا تنطبق عليهما أحكام الحرم، صحيح أن المسجد الأقصى من المواضع الشريفة، لكنه ليس حرماً؛ لأن كلمة حرم كلمة لها حدود وأحكام تخالف بها سائر أرجاء الأرض، فمثلاً: لا يدخلها الكافر، ولا يقطع شوكها، ولا تلتقط لقطتها، وغير ذلك من الأحكام، فلا يوجد حرم خليلي أو حرم إبراهيمي، فضلاً عن حرم الجامعة وحرم كذا وكذا، فكل هذا الكلام لا يجوز، فلا يطلق على هذه المواضع هذا اللفظ الشريف؛ لأن فيه تسوية لم يأذن بها الله سبحانه وتعالى في غير هذين البلدين.