قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [يونس:3] لقد بين تعالى بطلان تعجبهم السابق وما بنوا عليه، وحقق فيه أحقية ما تعجبوا منه وصحة ما أنكروه، بالتنبيه على بعض ما يدل عليه من شئون الخلق والتقدير، ولذلك فإن سورة يونس من السور المشتملة على آيات عظيمة من آيات التوحيد، سواء توحيد الربوبية، أو توحيد الألوهية، أو توحيد الأسماء والصفات، ونحن نعلم كما درسنا من قبل في كتاب "دعوة التوحيد" أن من أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى توحيد الألوهية الاستدلال بتوحيد الربوبية كمقدمة يبنى عليها توحيد الألوهية، فهذا يكثر في هذه السورة.
بعدما تعجب الله سبحانه وتعالى من عجبهم من إرسال الرسل من البشر بين عز وجل ونبه على بعض ما يدل على توحيده عز وجل من شئون الخلق والتقدير، وأرشدهم إلى معرفتها بأدنى تذكير، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [يونس:3].
قال البخاري في صحيحه في الرد على الجهمية: قال أبو العالية: ((اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) أي: ارتفع وعلا على العرش.
وقال مجاهد: ((اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) علا بلا تمثيل ولا تكييف، والعرش هو الجسم المحيط بجميع الكائنات وهو أعظم المخلوقات.
والأيام قيل: ستة أيام من أيام الدنيا.
وقيل: إن كل يوم من هذه الأيام كألف سنة؛ وذلك لقوله عز وجل: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47].
((يُدَبِّرُ الأَمْرَ)) أي: يقضي ويقدر على حسب مقتضى الحكمة أمر الخلق كله.
((مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ)) تقرير لعظمته وجلاله، ورد على من زعم أن آلهتهم تشفع لهم عند الله عز وجل.
((ذَلِكُمُ اللَّهُ)) إشارة إلى المعلوم بتلك العظمة، أي: ذلكم العظيم الموصوف بما وصف به.
((رَبُّكُمْ)) أي: الذي رباكم ونماكم ونشأكم وخلقكم لتعبدوه.
((فَاعْبُدُوهُ)) أي: وحدوه بالعبادة ولا تشركوا في عبادته أحداً.
((أَفَلا تَذَكَّرُون)) أي: تتفكرون أدنى تفكر، فينبهكم على أنه المستحق للربوبية والعبادة لا ما تعبدونه.