نشرع بإذن الله تعالى في تفسير سورة يونس، وسميت باسم يونس عليه السلام؛ لأنها تضمنت قوله تبارك وتعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [يونس:98].
هذه السورة مكية واستثني منها قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} [يونس:94] إلى آخر الآيتين، وقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} [يونس:40] قيل: نزلت في اليهود.
وقيل: من أولها إلى رأس أربعين مكي، والباقي مدني، وآياتها مائة وتسع آيات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس:1].
الكلام على الحروف المقطعة كالكلام في سوابقها من فواتح السور، وقد تقدم اختلاف العلماء وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: الله أعلم بمراده من هذه الأحرف المقطعة.
أما الأقوال الأخرى فأقواها أنها جاءت على سبيل التحدي للعرب الفصحاء البلغاء أن يأتوا بمثل هذا القرآن المؤلف من نفس الحروف التي ينطقون بها، ولذلك غالباً ما ترد الإشارة إلى القرآن الكريم عقب هذه الآيات مباشرة {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس:1] {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة:1 - 2] هذا في الغالب.
وقوله: ((تلك)) في اسم الإشارة معنى البعد للتنبيه على بعد منزلتها في الفخامة.
والمراد بالكتاب: إما جميع القرآن العظيم، حتى لو لم يكن قد نزل كل القرآن العظيم حينئذ، باعتبار تعينه وتحققه في علم الله تعالى؛ لأن القرآن العظيم بصورته الكاملة الشاملة متحقق في علم الله سبحانه وتعالى، فالله يشير إلى هذا القرآن الذي يعلمه كله، وإن لم يكن البشر قد علموا كله حينئذ.
أو المقصود بالكتاب ما نزل منه حتى وقت مخاطبتهم بهذه الآية.
و ((الحكيم)) ذو الحكمة، وصف به لاشتماله على فنون الحكم الباهرة ونطقه بها، أو هو من باب وصف الكلام بصفة صاحبه، أو من باب الاستعارة المكنية المبنية على تشبيه الكتاب بالحكيم الناطق بالحكمة.