ثم بين تبارك وتعالى نوعاً آخر من مطاعن المنافقين ومساوئهم، وهو لمزهم المتصدقين، فقال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79].
(الذي يلمزون) يعني: يعيبون، (المطوعين) أي: المتبرعين، (من المؤمنين في الصدقات) فيزعمون أنهم تصدقوا رياءً، (والذين لا يجدون) يعني: ويلمزون الذين لا يجدون (إلا جهدهم).
ويفهم من هذا: أن المطوعين هم الذين أنفقوا نفقة كبيرة، وذلك للمغايرة بين المطوعين وبين الذين لا يجدون إلا جهدهم -كما سنبين ذلك إن شاء الله تعالى-، فهم يلمزون المتبرعين، وهؤلاء المتبرعون يأتون بمال كثير لأنهم أغنياء، فيقولون: هؤلاء ما تصدقوا إلا رياءً، فإذا أتى الذين لا يجدون إلا جهدهم وهم مؤمنون، وما يملكون شيئاً فتصدقوا بجهد المقل؛ يقولون: إن هذا أحوج لصدقته التي يتصدق بها.
(والذين لا يجدون) يعني: ويلمزون الذين لا يجدون ما يتصدقون به إلا قليلاً، فيقولون عنهم: ماذا يفعل هذا الصاع من التمر أو نحو هذا؟! أو يقولون: إن الله غني عن مثل هذه الصدقة القليلة! (سخر الله منهم) أي: جازاهم على سخرهم بأن: (سخر الله منهم ولهم عذاب أليم).