اللقاء إذا أضيف إلى الكفار كان مناسباً لحالهم، ولا يفسر هنا أنهم يرون الله سبحانه وتعالى، بل اللقاء هنا بحسب من ينسب إليه، فإذا كان اللقاء في حق المؤمنين فله تفسير يليق بالمؤمنين، وإن كان في حق الكفار فهو بما يليق بحالهم.
فاللقاء إذا أضيف إلى الكفار كان لقاءً مناسباً لحالهم من وقوفهم للحساب عنده تبارك وتعالى؛ لأنهم ليسوا أهلاً لرؤية الله تقدس اسمه، وإذا أضيف إلى المؤمنين كما في قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44]، فهذه لقيا مناسبة لمقامهم، وفيها رؤيته تبارك وتعالى، وذلك لما أفصحت عنه آيات أخر من حال الفريقين، مما يتنزل مثل ذلك عليها.
فمن وقف في بعض الآيات على لفظة واحدة، وأخذ يستنبط منها، ولم يراع ما استعملت فيه وأطلقت عليه، كان ذلك جموداً وتعصباً لا أخذاً بيد الحق، والمقصود بهذا الرد على الجبائي المعتزلي، وهو من رءوس المعتزلة، فـ الجبائي أفاض وأطال في تفسير قوله تبارك وتعالى: (فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه) وقال: إن اللقاء في هذه الآية لا يفيد رؤيته تبارك وتعالى، وللإجماع على أن الكفار لا يرونه تبارك وتعالى، فكلمة اللقاء في حد ذاتها لا تفيد الرؤية، وهذا صحيح في حق الكفار، لكنه أراد تعميمها ليستدل بها على نفي رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة! فقال: كما أن لفظ اللقاء لا يفيد رؤية الله في حق الكفار، فهو لا يفيد أيضاً في قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44]، فـ الرازي ناقشه بأن قال: صحيح هذه الآية لا تفيد رؤية الله في الآخرة، لكن رؤية الله في الآخرة بالنسبة للمؤمنين ثابتة من أدلة أخرى في القرآن والسنة.
أما الجواب الذي ذكره القاسمي فهو أقوى وأمتن، فإنه قال: إن اللقاء يفسر في حق كل فريق بما يناسب حاله؛ ففي حق الكافر: يلقى الله لكنه يحجب عن الله؛ لأنه لا يستحق أن يرى الله، وليس أهلاً لذلك في الآخرة، أما في حق المؤمنين فلقاء الله يفسر في ضوء النصوص الأخرى التي أثبتت رؤية المؤمنين لربهم عز وجل.