ثم ذكر تعالى الإعانة على الجهاد بقوله تبارك وتعالى: ((وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ))، فيصرف على المتطوعة في الجهاد؛ لأن المتطوعة لا مرتب لهم، فيعطى سهم (في سبيل الله) للمجاهدين المتطوعين، فيشترى لهم الكراع والسلاح.
قال الرازي: لا يوجب قوله: (في سبيل الله) القصر على الغزاة، ولذا نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء جواز طرح الصدقات إلى جميع وجوه الخير: من تكفين الموتى، وبناء الحصون، وعمارة المساجد؛ لأن قوله: (وفي سبيل الله) عام في الكل، وهذا من الموضوعات المهمة جداً التي تحتاج إلى بحث مستقل؛ ولكن لأن خطتنا في التفسير الاختصار بقدر المستطاع فلن نتعرض له، وكثير من الناس الآن توسعوا في هذا المصرف، حتى إنهم يقولون: يجوز صرفها في طباعة الكتب وتوزيعها في المعسكرات الإسلامية، وفي الأنشطة، ويوجد أصل لهذه الأقوال، لكن هذا المذهب مرجوح، والراجح هو مذهب الجمهور: أن سهم (في سبيل الله) للمتطوعين في الجهاد؛ لأن هذا هو الأصل عند إطلاق في سبيل الله، ولا يمنع هذا لفظ: (في سبيل الله) أن يطلق على الحج وغير ذلك من العبادات؛ لأن إعطاء الفقراء مثلاً هو في سبيل الله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}.
إذاً: تخصيص هذا المصرف بقوله: (وفي سبيل الله)، يقتضي تمييزه بنوع خاص، ففي سبيل الله عند إطلاقها تنصرف إلى الجهاد.
معنى قوله تعالى: (وَاِبْنِ السَّبِيلِ)): ثم ذكر تعالى الإعانة لأبناء الطريق بقوله: ((وَاِبْنِ السَّبِيلِ))، فيعطى المجتاز في بلد ما يستعين به على بلوغه إلى بلده، يعني: يمكن أن رجلاً مسافراً يكون مليونيراً في بلده، لكنه فقد أمواله وصار في حالة فقر، فهذا ابن سبيل، ويأخذ من الزكاة حتى لو كان غنياً في بلده، ولا يعطى على سبيل الاستدانة، لكن هذا حقه أن يعطى من الزكاة، وابن السبيل: هو الذي انقطعت به السبيل، ولا يملك المال الذي يعود به إلى بلده، فهذا يعطى من مال الزكاة.
((فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)) (فريضة) ناصبه مقدر، أي: فرض الله ذلك فريضة.
((وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)): (عليم) بأحوال الناس ومراتب استحقاقهم، (حكيم) لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة من الأمور الحسنة التي منها سوق الحقوق إلى مستحقيها.