يقول المهايمي: ثم ذكر تعالى من يحتاج إليهم والمحتاجين إلى الصدقات، يعني: الزكاة تعطى للمحتاجين من المسلمين ولمن يحتاج إليهم المسلمون، فمن هؤلاء الذين يحتاج إليهم المسلمون: العاملون عليها، فلابد من وجود كادر من الموظفين يتولون جمع الزكاة ويتولون تصريفها ويسعون في تحصيلها، ومنهم: القابض، والوازن، والكيال، والكاتب، فهؤلاء يعطون أجورهم من الزكاة ((وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا)).
ثم ذكر من يحتاج إليهم الإمام، فقال تبارك وتعالى: ((وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ))، وهم قوم ضعفت نيتهم في الإسلام، فيحتاج الإمام إلى تأليف قلوبهم بالعطاء تقوية لإسلامهم؛ لئلا يسري ضعفهم إلى غيرهم، أو أشراف يترقب بإعطائهم إسلام نظرائهم.
معنى قوله تعالى: ((وَفِي الرِّقَابِ)): ثم ذكر تعالى من يعان بها في دفع الرق؛ لقوله تبارك وتعالى: ((وَفِي الرِّقَابِ)) يعني: للإعانة في فك وإعتاق الرقاب، فيعطى المكاتبون منها ما يستعينون به على أداء نجوم الكتابة، يعني: أقساط الكتابة، وإن كانوا كاسبين، يعني: حتى وإن كان هؤلاء المكاتبون يعملون ويتكسبون، لكن يعطون أيضاً من الزكاة ما يعينهم على التحرر من الرق وإن كانوا كاسبين، وهذا قول الشافعي والليث.
أو (وفي الرقاب) يعني: وللصرف في عتق الرقاب، وذلك بأن يصرف من مال الزكاة في شراء رقاب ثم تعتق، وهذه صورة أخرى.
إذاً: إما أن تفك رقاب المكاتبين كي يعتقوا، وإما أن يشترى من مال الزكاة أرقاء ثم يعتقون بعد ذلك، قال ابن عباس والحسن: لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة، وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق، ولا يخفى أن الرقاب يعم الوجهين، وقد ورد في ثواب الإعتاق وفك الرقبة أحاديث كثيرة.
معنى قوله تعالى: ((وَالْغَارِمِينَ)): ثم ذكر تعالى من تفك ذمته في الديون، فكما تفك الرقاب، هناك أيضاً من تفك ذمته؛ لأنها مقيدة بالدين، فقال عز وجل: ((وَالْغَارِمِينَ))، وهم الذين ركبتهم الديون لأنفسهم في غير معصية ولم يجدوا وفاءً، أو لإصلاح ذات البين ولو أغنياء، فالغارم إما أن يستدين لمصلحة نفسه أو يستدين لمصلحة غيره حتى لو كان غنياً، فالذي يستدين لمصلحة نفسه يشترط فيه أن يكون ركبه الدين في غير معصية وفي غير إسراف، لا من يستدين للترف وللتنعم، ويقول: أنا غارم، ويؤخذ له من الزكاة! فلا تكون نفقته في سفه وترفه، وإنما في أمور أساسية يحتاجها، ولا يكون الدين ركبه في معصية، ولم يجد من ماله ما يوفي به هذه الديون، فالغارم يعطى أيضاً من الزكاة.
أو لإصلاح ذات البين ولو أغنياء، كرجل تحمل مالاً في ذمته لإصلاح ذات البين، مثلاً: قبيلتان سوف تقتتلان بسبب المال، فهو يعطي من ماله من أجل أن يعصم دماء هؤلاء المقتتلين، ففي هذه الحالة هذا يعطى من الزكاة ولو كان غنياً ما دام أنه غرم لإصلاح ذات البين.
نرى تساهلاً عند كثير من الناس، ويعز عليهم إخراج الزكاة نتيجة الشح الذي هو مركوز في النفس، فيحاول أن يخرج المال دائماً إلى أحد أقاربه، ويكون هذا الشخص مستديناً في أمور كمالية، مثلاً في تأثيث بيته بصورة فيها نوع من الترف، أو قريبته ستتزوج ويريد أن يساعد أهلها في الأثاث، وغالباً الأثاث يكون في كماليات، في حين مال الزكاة يحتاج إليه آخرون للقوت أو للعلاج، فينبغي عدم التساهل في هذا الأمر.