وقال صاحب (برهان الحق) الشيخ رحمة الله عليه رحمة الله: إن من أسلم من علماء اليهود والنصارى في القرن الأول شهد بوجود البشارات المحمدية في كتب العهدين، مثل: عبد الله بن سلام وابن سعنة وبنيامين ومخيريق وكعب الأحبار وغيرهم من علماء اليهود، ومثل بحيرا ونسطورا الحبشي والأسقف الرومي الذي أسلم على يد دحية الكلبي وقت الرسالة فقتلوه، والجارود والنجاشي والرهبان الذين جاءوا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وغيرهم من علماء النصارى.
وقد اعترف بصحة نبوته وعموم رسالته هرقل قيصر الروم، والقصة موجودة بطولها في أول صحيح البخاري في كتاب (بدء الوحي)، وهرقل لما جمع أبا سفيان ومن معه وسأله عدة أسئلة في نهاية هذه الأسئلة قال: فإن يكن الذي قاله حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين.
وبين أنه كان يتمنى أن يتجشم ويتكلف لقاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا قومه إلى الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام، فلما حاصوا حيصة الوحوش وثاروا قال لهم: أنا كنت أمتحن إخلاصكم ووفاءكم وثباتكم على دينكم، فحينئذٍ سجدوا له وأقروه، لكنه في الحقيقة آثر الملك على الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولو كان عنده فقه ووعي وفهم لتأمل في قول النبي عليه الصلاة والسلام في الرسالة التي بعث بها دحية الكلبي إليه يقول له فيها: (أسلم تسلم)، فوعده بالسلامة، لكنه لم يفقه أن هذا رسول الله، وقد وعده بأنه إذا أسلم سوف يسلم من السوء ولن يصيبه أحد بشر، فما فقه ذلك، وآثر الدنيا على سعادة الآخرة.
وكذلك المقوقس صاحب مصر، وابن صوريا وحيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب وغيرهم ممن حملهم الحسد على الشقاء ولم يسلموا.
ولما ورد على النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران وحاجهم في شأن عيسى عليه السلام وحجهم دعاهم إلى المباهلة بأمره تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61]، فإذا كنتم واثقين أنكم على الحق فتعالوا نبتهل، فخافوا وأشفقوا ونكصوا على أعقابهم خوفاً من شؤم مغبتها، فكانوا كقوم فرعون الذين قال الله عز وجل عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14].