الحق الرابع: حق الفراش، يقول العلامة ابن حزم رحمه الله تعالى: وللمرأة على زوجها أن يطأها بعد كل طهر مرة.
يعني: أن ابن حزم يرى وجوب الوطء في كل طهر مرة؛ لأن الله عز وجل قال: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:222]، فأمر بإتيان المرأة بعد تطهرها، ووجوب وطء المرأة عند الجمهور كما عند ابن حزم، ولكن الخلاف على المدة التي يجوز للزوج أن يترك الفراش فيها.
قال أحمد: أربعة أشهر ولا يزيد؛ لأن الإيلاء في القرآن أربعة أشهر، قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة:226]، يعني: يجوز للزوج أن يحلف ألا يقترب من الزوجة أربعة أشهر ولا يزيد، فإن زاد تطلق للضرر، قال تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226 - 227]، فقال أحمد رحمه الله: لا ينبغي أن يترك الفراش أكثر من أربعة أشهر، وإن كان في سفر لا يزيد عن ستة أشهر، واستدل بما وقع مع عمر رضي الله عنه حيث كان يسير في طريق من طرق المدينة فسمع امرأة تنشد مع نفسها وتقول ما معناه: ولولا الحياء والخوف من الله لحرك من هذا السرير جوانبه.
فقد طال الليل عليها وزوجها غائب عنها، ولولا أنها تخاف من الله عز وجل لحركت السرير بعشيق، فسمع عمر وسأل عنها فقالوا: زوجها خرج للجهاد في سبيل الله، فأرسل إلى ابنته حفصة وقال لها: يا حفصة أخبريني عن المدة التي تستطيع الزوجة أن تفارق الزوج؟ قالت: يا أبي مثلك يسأل عنها! قال: نعم، فقالت: خمسة أشهر أو ستة لا تزيد، عند ذلك أصدر عمر مرسوماً في قانون الغزو: ألا يزيد غياب الزوج المجاهد عن أهله عن ستة أشهر، شهر ذهاب وشهر إياب وأربعة أشهر للجهاد في سبيل الله سبحانه، إلا إذا وافقت الزوجة على طول المدة فهذا أمر آخر، ولكن ماذا نقول لمن يمكث عشرات السنين يجمع المال وينسى حق الزوجة، ويرسل لهم الأموال من الخارج؟ هم لا يريدون مالاً، هم يريدونك أنت.
وقد قال العلماء: أكبر مدة يجوز للزوج أن يهجر فيها الزوجة: هي أربعة أيام؛ لأن الله أباح له أن يتزوج بأربع، فمعنى ذلك أنه يبيت عند الثلاث، ثم يأتي في الليلة الرابعة إلى الرابعة، وهذا قضاء كعب بن سوار رضي الله عنه لما كان يجلس عند عمر فجاءت امرأة تشكو زوجها إلى عمر، تقول: يا أمير المؤمنين زوجي يصوم الدهر ويقوم الليل، فقال: نعم الزوج، فهم أنها تمدح فيه، فقال كعب: يا أمير المؤمنين! إنها تشكو زوجها، قال: كيف يا كعب؟ قال: تشكو من قلة جماعه، ومن عدم إعطائها لحقها، قال: طالما فطنت فاقض بينهما أنت، فجاء كعب بالمرأة وسألها، قالت عن الرجل: يا أيها القاضي الحكيم برشده ألهى خليلي عن فراشي مسجده نهاره وليله ما يرقده فلست في أمر النساء أحمده هذه المرأة تشكو.
وكما كان حال عبد الله بن عمرو لما زوجوه امرأة ذات حسب فظل يصلي وتركها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله ليس هكذا إن لها عليك حقاً).
وهناك رجل يصوم الدهر ويقوم الليل، قال: خفت من سورة النحل والسبع الطوال, فأنا أقوم الليل بالقرآن وأصوم النهار، فقال أبي: اعلم أن لها عليك حقاً أن تبيت بجوارها.
يعني: أن تأتيها كل أربعة أيام، واستدل بما ذكرت قبل.
لكن الواقع أن للزوجة حقاً على الزوج أن يطأها متى كانت راغبة إلا من عذر شرعي، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم امرأة فوقعت في نفسه فليذهب إلى زوجته)، كذلك الزوجة لا تترك الفراش إلا في باب العذر الشرعي: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34]، فجعل الهجر في المضاجع أحد سبل علاج النشوز.