الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سللاة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون.
خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد.
فاللهم يا مثبّت القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! تحدثنا في اللقاءات السابقة عن التدابير والوسائل والسبل التي وضعها الإسلام ليغلق على الناس تلك الجريمة ألا وهي جريمة الزنا، ومن التدابير والسبل التي ذكرناها: تيسير أمر الزواج، والزواج كما بينا في اللقاء السابق سنة ربانية وحتمية طبيعية؛ لأن الإنسان لا يمكن بحال أن يعيش منعزلاً أو منفرداً بدون زوجة، ولذلك لما خلق الله آدم خلق له حواء، كما قال ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1]؛ ليطمئن إليها، ويسكن إليها، وجاءت الأحاديث وأقوال الصحابة تبين ذلك.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: لو لم يبق من حياتي في الدنيا إلا عشرة أيام وكان بي مقدرة على الزواج لتزوجت.
وقال عمر لرجل عزف عن الزواج واعتزل النساء: لا يمنعك من الزواج إلا عجز أو فجور.
وقال الصديق رضي الله عنه: أيها الناس أطيعوا الله فيما أمركم، ينجز لكم ما وعدكم.
كما قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32]، والمعنى: أطيعوه في أمر الزواج ينجز لكم ما وعدكم في أمر الغنى.
وقد وضع الإسلام كما بينا أسساً لاختيار الزوجة، وأسساً لاختيار الزوج، وكان العرب قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام يقولون: لا تأخذ الأنانة ولا المنّانة ولا الحنّانة ولا الحدّاقة ولا البرّاقة ولا الشدّاقة، ما معنى ذلك؟ الأنانة: كثيرة الشكوى والأنين، كل ساعة تشكو بحق أو بغير حق.
أما المنّانة: فهي التي تمنّ على زوجها بمالها أو بحسبها أو بجمالها وتعيره.
الحنّانة: التي تحن لغير زوجها.
والحدّاقة: التي تنظر إلى كل شيء فتشتهيه، فتكلف الزوج ما لا قبل له به، كلما رأت اشتهت.
والبرّاقة: التي يهمها بطنها بمفردها، ولا شأن لها بزوجها ولا أولادها.
والشدّاقة: أي الثرثارة كثيرة الكلام.
ينتظر الجميع أن نتحدث عن حقوق الزوج وهذا أمر هام، لكني آثرت أن أتحدث اليوم عن حقوق الزوجة، فقبل أن نعرف ما لنا، ينبغي أن نعرف ما علينا، فالجميع يفرط في حقوق زوجته، ثم يطلب ما له من واجبات، وإن فتشت في صحيفته تجد الصحيفة مخازي، تجدها مليئة بالانحراف عما أمر الله، أو عما بين النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك سأبين في هذا اللقاء حق الزوجة على زوجها، وهي سبعة حقوق نذكرها إجمالاً ثم نفصلها، ثم ننزلها على أرض الواقع، وكل إنسان منا مطالب أن يفتش في صحيفته: هل أنا أَفِيْ بحق الزوجة حتى أطالب بحقوقي بعد ذلك، أم أنا مضيع، أضرب الوجه، وأقبح القول، وأمنع النفقة، وأسيء العشرة، ثم بعد ذلك أقول: الحقوق.
للزوجة على زوجها سبعة حقوق: الحق الأول: المهر.
الثاني: النفقة.
الثالث: حسن المعاشرة.
الرابع: العدل في حال التعدد، ولنا معه وقفة؛ لأن أعداء الدين يشيرون إلى مسألة التعدد بأنها من مساوئ شريعتنا، فنقول: كلا وألف كلا؛ فإن سليمان بن داود عليه السلام تزوج ما يقرب من ثلاثمائة امرأة، ونبينا عليه الصلاة والسلام من أقل الأنبياء زواجاً، فالجمع بين أكثر من زوجة كان أمراً معتاداً، وانظروا إلى سير الأنبياء واعقدوا مقارنة بين عدد زوجات الأنبياء؛ لتعلموا أن المستشرقين يطعنون في أمر غفلوا عنه.
ثم انظروا إلى عادة العرب قبل بعثة النبي عليه ال