يخطئ الكثير فيفهم أن حسن الخلق مع المخلوق أولاً ثم مع الخالق، وليس كذلك، بل مع الخالق ثم مع المخلوق.
أما حسن الخلق مع الخالق فيدور على ثلاثة أركان: الأول: أن تصدق بأخباره.
الثاني: أن تتلقى أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.
الثالث: أن تتلقى أقداره بالرضا والقبول.
الأول: أن تتلقى أخباره بالقبول والتصديق.
يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (إذا وقعت الذبابة في إناء أحدكم فليغمسها ثم لينزعها؛ فإن في إحدى جناحيها داء والآخر دواء)، فمن حسن الخلق مع هذا النص أن نتلقاه بالقبول والتصديق؛ لأن النص ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما أن الذي رواه هو البخاري.
وهناك أقوام من دعاة العقلانية أتباع مدرسة الاعتزال يردون هذا الحديث، والاعتزال وإن لم توجد له فرقة الآن إلا أنه لا يزال يدب في عقول البعض، يقول: كيف أغمس ذبابة؟ أي عقل يقبل هذا؟ هذا كلام باطل، ويرد الأمر على رسول الله، وهذا سوء خلق مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن العقل حاله مع الشرع كحال الضوء مع العين، هل يمكن للعين أن ترى بدون ضوء؟ كذلك العقل لا يرى إلا بنور الوحي، فلا قيمة للعقل إن رد الأوامر الشرعية، وسأذكر نماذج من واقعنا الآن لأتباع المدرسة العقلانية الذين ردوا نصوصاً كثرة من القرآن والسنة بحجة العقل، من ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في البخاري -: (إن موسى عليه السلام جاءه ملك الموت في صورة بشر تسلق عليه الجدار، ففقأ موسى عينه).
وفي غزوة شكى الصحابة قلة الماء إلى رسول الله، فوجد عيناً فيها ماء فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده، فثار الماء من بين أصابعه حتى شرب منه ألف وخمسمائة صحابي.
ولما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلى، ثم ارتفع إلى السماء السابعة، وفرضت عليه الصلاة وعاد إلى موسى.
فهؤلاء بعقولهم العفنة ردوا النصوص الثابتة من الكتاب والسنة، وعقولنا نقدرها ونحترمها، لكن العقل في فهم النص وتوجيهه لا يرده ولا يجحده.
وتجد آخر يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقطع الصلاة ثلاثة: الحمار، والمرأة، والكلب الأسود)، أما الحمار والمرأة ففيهما خلاف شديد بين المذاهب للتخصيص، وأما الشاهد من الكلام قوله: لا أرى فرقاً بين الكلب الأسود والأبيض والأحمر، ويرد الحديث بحجة أنه لا فرق بين هذا وذاك، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلب الأسود قال: (الكلب الأسود شيطان).
وفي صحيح مسلم (تدنو الشمس يوم القيامة من رءوس العباد على قدر ميل) يقول قائل: الشمس بيننا وبينها ملايين الكيلو مترات، وإذا اقتربت منا سنتيمتر فإنها تحرق الناس؟ فكيف تدنو من رءوسهم يوم القيامة بقدر مسافة ميل؟ وهكذا يردون النصوص الصحيحة بحجة أنها لا تستقيم مع أفهامهم، وهذا سوء خلق مع كتاب الله ومع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند ربه ست خصال: يغفر له من أول دفعة من دم) أول دفعة دم تنزل من جسده يغفر له بها كل ذنوبه.
ثانياً: (يأمن من عذاب القبر).
ثالثاً: (يأمن من الفزع الأكبر).
رابعاً: (يلبس تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها).
خامساً: (يتزوج باثنتين وسبعين من الحور العين).
سادساً: (يشفع في سبعين من أهل بيته).
كتب أحد العقلانيين يتهكم في عموده: كيف نقبل أن يتزوج الواحد باثنتين وسبعين؟ عقولنا لا تقبل ذلك.
ويزعم أن هذا لا يستقيم مع عقولنا، وكل النصوص الشرعية عرضوها على عقولهم، فما قبله العقل قبلوه، وما رده العقل ردوه، فاتصفوا بسوء الخلق مع كتاب الله، ومع سنة رسول الله.
والعلم المعاصر يثبت الآن بعد تحليل جناحي الذبابة أن في أحد جناحيها داء وفي الجناح الآخر الدواء، ولأننا هدانا الله إلى حسن الخلق، قلنا: نغمس وننزع؛ لأن الذي أمرنا بذلك هو الذي لا ينطق عن الهوى، أما القوم فانتظروا حتى أثبت العلم ذلك، ونحن نقول: أثبت العلم أو لم يثبت فما علينا إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا.
إذاً: حسن الخلق مع الخالق أن تتلقى أخباره بالقبول والتصديق.
ثانياً: أن نتلقى أحكامه بالتنفيذ والتطبيق في العبادات والمعاملات، برضا وسلامة صدر وانشراح وحب، وهذا حال المؤمن.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر)، {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142]، أما المؤمن إذا صلى الفجر ينتظر حتى الصباح في مصلاه يذكر الله، ويدخلها وهو يستشعر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة).
وحينما يخرج الزكاة يخرجها برضا وبحب، ويدعو الله أن يقبل منه، ويرغب أن يزيد من الإنفاق.
والصيام مشقة، لكن المؤ