السبب السادس من أسباب الخلاف: فهم الدليل فهماً خاطئاً.
وهذا كثير، فقد اختلف الفقهاء اختلفوا في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء:43]، فمنهم من رأى أن مجرد اللمس أن يمس الرجل امرأة سواء كانت زوجة أو غير زوجة أن ذلك ينقض الوضوء، هذا رأي.
الرأي الثاني: من مس بشهوة ينقض، ومن مس بغير شهوة لا ينقض.
الرأي الثالث: أن المس هنا هو الجماع.
وهو الراجح.
اختلفوا إلى ثلاثة أقوال باختلاف الأفهام، ونحن نميل مع الرأي الراجح، لكن لا نسفّه الرأي المخالف ونعرّض به، ولذلك لما قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة)، بعد أن عادوا من غزوة الأحزاب، فمنهم من فهم النص أنه لا بد أن يصلي في بني قريظة حتى وإن خرج وقت العصر، وبالفعل غابت الشمس وما صلى العصر إلا بعد غروب الشمس.
أما الفريق الثاني فعلموا أن النص له منطوق ومفهوم، فقالوا: النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد أن نصلي في بني قريظة، وإنما أراد أن نبكر بالذهاب، ولا ينبغي أن نؤخر الصلاة عن وقتها -وهو الصواب-، فصلوا في الطريق، فوصل الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر الفريقين على فهمهما، مع أن الصواب مع الفريق الذي صلى في الطريق؛ لأن الصلاة في الوقت محكمة، وهذا قول متشابه، وينبغي أن نحمل المحكم على المتشابه.
مثال آخر: رجل أراد أن يتوضأ فلم يجد ماءً فتيمم وصلى، ثم وجد الماء قبل أن يخرج الوقت، كما حصل للصحابة، فمنهم من أعاد الصلاة، ومنهم من اكتفى بصلاة واحدة، فلما وصل الأمر إلى رسول الله قال للذي صلى مرةً واحدةً: (أصبت السنة، وقال للذي أعاد: لك الأجر مرتين) فهذا اختلاف في الأفهام.
أيها الإخوة الكرام! قد اختلف العلماء في أحكام كثيرة، لكن لا ينبغي أن نتعصب لرأي واحد، وأن ننكر على المخالف، ولكن العلم عطاء ورزق وفهم، وهذا يجرنا إلى الحديث عن آداب الخلاف، وهذا هو الموضوع الثاني إن شاء الله.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.