قد جاءت الآيات والأحاديث تبين فضل العلم، منها: قول ربنا عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11].
فالعلم يرفع قدر أصحابه في الدنيا والآخرة، ولنا في ذلك نماذج: أولاً: أنبياء الله ورسله أنعم الله عليهم بالعلم، قال الله في حق آدم: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31].
وقال الله في حق موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص:14].
وقال الله في حق إبراهيم: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم:43].
وخير الأنبياء محمد قال له ربه: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:113]، وقال له ربه: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114].
ثانياً: دخل رجل إلى البصرة فقال: من سيد هذه البلدة؟ من كبيرها؟ قالوا: الحسن البصري قال: بم تقدم عليكم؟ قالوا: احتجنا لعلمه، واستغنى هو عن دنيانا.
ولما دخل البخاري إلى نيسابور استقبله أهلها على مراحل من البلدة، ونثروا عليه الدراهم والدنانير ترحيباً بقدومه على بلدتهم، فسألت امرأة ولدها، قالت: يا بني من هذا؟ قال: هذا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، فقالت: يا ولدي هذا هو الملك لا ملك هارون.
وقد فرق العلماء بين الكلب المعلم، والكلب الجاهل، فإن أرسلت كلبك المعلم وأتاك بصيد فسم الله وكل شريطة أن تسمي عليه قبل أن ترسله، وإن أرسلت كلبك الجاهل فلا ينبغي أن تأكل من صيده.
وهذا الهدهد قال لسليمان كما أخبر الله سبحانه عنه: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل:22].
والنملة وعظت وأرشدت، ونبهت، وأمرت بالمعروف، ونهت عن المنكر، وأحبت لبني جنسها ما تحب لنفسها: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18].
فالعلم يرفع قدر من يحمله؛ لذلك يقول عمر بن الخطاب: تعلموا قبل أن تسودوا، قال البخاري معلقاً: وبعد أن تسودوا.
والمقصود بقبل أن تسودوا كما قال ابن حجر: قبل أن تصبحوا سادة، وربما يكون المعنى قبل الزواج؛ لأن الرجل سيد الزوجة، وبعد أن يتزوج يذهب بعض الوقت في الحاجات الزوجية، والإنفاق على الأولاد، فالأوقات تخرج منه رغم إرادته، فتعلّم قبل أن تسود.
يعني: قبل أن تكون قائداً، ومن ثم كانوا يطلبون العلم في صغرهم، وكانوا يرحلون لطلب العلم.
ونبينا عليه الصلاة والسلام قد جاءت عنه الأحاديث في فضل العلم والتعلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء)، فالعلم ميراث الأنبياء، فيا من أخذت العلم لقد أخذت ميراث الأنبياء، وهو الذي يبقى لك بعد موتك، يقول صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
ويقول ربنا سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28].
ويقول: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9].
ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).
فطريق الجنة العلم، والمخرج مما نحن فيه من الفتن العلم، ولذلك كان أبو سعيد الخدري إذا رأى رجلاً يطلب العلم، قام إليه قائلاً: مرحباً بوصية رسول الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (مرحباً بطالب العلم)، وقد أفرد الإمام البخاري في صحيحه كتاباً للعلم، فأول كتاب في صحيحه هو كتاب بدء الوحي، ثم كتاب الإيمان، ثم كتاب العلم، ولوقوع هذا الكتاب بهذا الترتيب سبب وحكمة، وهي أن العلم بلا إيمان لا وزن له، والعلم بغير وحي لا قيمة له؛ لأن الدين مداره على الوحي والإيمان؛ لأن الإيمان مفتاح قبول الأعمال، فجعل البخاري العلم بعد بدء الوحي والإيمان، ووضع فيه أبواباً كثيرةً بين فيها آداب طلب العلم، وآداب العلم، وآفات طلب العلم، وفي ذلك قال: لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر.
فالعلم يضيع بين الكبر والحياء.
وفي الحديث عن علي رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاءً -يعني: كثير المذي-، فمنعني الحياء أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمنزلة