يقول ربنا سبحانه: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا} [الجن:12].
اعتراف من الجن بأنهم لن يستطيعوا أن يهربوا من الله إذا أرادهم؛ فهم يؤمنون بذلك إيماناً جازماً، فالجأ يا عبد الله! إلى ربك عز وجل، إن كان بك سحر قل: يا رب! بك مس قل: يا رب! لا تذهب إلى العراف والدجال ليقدح في عقيدتك، تقول: أنا سأذهب إلى المنوفية، هناك شيخ جيد.
أقول: هل إيمانك بالمعالج أم إيمانك بالرقية؟ بالمعالج؛ لأنك تشد الرحال إليه، الرقية هي نفسها الرقية في أي مكان كان، فأنت الآن تثق في الرقية أم تثق فيمن يرقي؟ حتى إذا أصيب أحدهم بمس، قال: أنا أريد شيخاً للعلاج يكون عشرة على عشرة! يا عبد الله! هذا قدح في العقيدة: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]، فالمضطر يدعو ربه ويلجأ إليه، ولا يوسط الوسائط بينه وبين الله.
يا قوم! هذه ظاهرة خطيرة تحتاج منا إلى أن نواجهها، لابد أن نأخذ على يد المعالجين الذين ينسبون إلى أنفسهم الشفاء، أو يقول: أنا فعلت وأنا فعلت.
فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية لما أرسل إليه بشأن رجل أصابه المس، قال الجني له: أخرج كرامةً لك يا شيخ الإسلام! قال: إن فعلت فلا تخرج، إنما تخرج امتثالاً لأمر الله.
وهذا معناه: أنه لا ينبغي أن ينسب المعالج الفضل إلى نفسه، فضلاً عن أنه إذا علا نجمه وذاع صيته وعرف بين الناس انسحب في الحال؛ لأن هذا من مداخل العجب والرياء، فالرقية مشروعة لكن بضوابط.
روى مسلم في صحيحه: أن أويساً القرني كان رجلاً مستجاب الدعوة، ولكنه إذا حضر بين الناس لا يعرفه أحد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر ولأصحابه: (إن لاقيتم أويساً فسلوه أن يستغفر لكم، فإنه مستجاب الدعوة) وهو من أهل اليمن، منعه بره بأمه أن يأتي لمقابلة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يقوم بخدمة أمه، سماه العلماء: مخضرماً لا هو صحابي ولا هو تابعي، صحابي باعتبار أنه عاصر النبي صلى الله عليه وسلم، وتابعي باعتبار أنه ما لاقاه، فهو في درجة بين الدرجتين- (كان به برص فدعا الله عز وجل فاستجاب لدعائه، فصرف ما به من برص إلا موضع درهم تحت إبطه) أي: علامة، ولما خرج عمر إلى عرفة كان ينادي أمداد اليمن في كل عام: يا أهل اليمن! أفيكم أويس؟ حتى جاءت سنة فقال لهم: أفيكم أويس؟ فتقدم إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! من أويس؟ قال: رجل منكم من أهل اليمن كان باراً بأمه، منعه بره من ملاقاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، كان به برص فدعا الله فشفاه إلا موضع درهم تحت إبطه.
أين هو؟ قال: يا أمير المؤمنين! هو قريب لي، لكنه إذا حضر لا يعبأ به، وإذا غاب لا يفتقده أحد -تقي وخفي- فقال عمر: دلني عليه، فأتى إلى أويس واستحلفه بالله أن يستغفر له الله، فلما علم أويس أن عمر تعرف عليه أخذ عليه العهد والميثاق ألا يخبر أحداً به، فالشهرة والصيت يا عبد الله! من مداخل الشيطان عليك.