قد جاء وصف الجنة في القرآن وصفة لباس أهلها، وطعامهم، وشربهم، حتى يبين لنا ربنا النعيم الذي أعده لعباده، يقول ربنا سبحانه: {لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:11 - 16].
وقال سبحانه: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:21 - 23].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
ونبينا صلى الله عليه وسلم يخبرنا أن عدد أبواب الجنة ثمانية: باب الصيام، ويسمى: باب الريان، وباب الصلاة ينادي المصلين، وباب الجهاد ينادي المجاهدين، فقال أبو بكر: (أومن كل الأبواب الثمانية ينادى على أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، وأسأل الله أن تكون منهم يا أبا بكر)، قال أبو نعيم صاحب الحلية: الصديق الملقب بـ العتيق رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والأسفار، والذي دفن بجواره بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنزل فيه من عالم الأسرار {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40]، ينادى عليه يوم القيامة أن يدخل من أبواب الجنة الثمانية؛ لأنه جمع خصال الخير، ففي صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ثم استدار لأصحابه) والسنة أن يستدير الإمام بعد انقضاء الصلاة، فقد بوب البخاري في صحيحه، في كتاب الأذان: باب: الإمام يتوجه إلى المأمومين، فلا ينبغي أن يظل مستدبراً، لكن بعد الصلاة يقابلهم بوجهه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ثم استدار لأصحابه وقال: من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: من عاد اليوم منكم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، وكلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في رجل إلا كان من أهل الجنة).
ونبينا عليه الصلاة والسلام رأى الجنة ورأى النار، بل دخل الجنة في الإسراء والمعراج، وفي صحيح البخاري (لما كان يصلي صلاة الكسوف: فتقدم قليلاً، فرآه الصحابة فقالوا: يا رسول الله رأيناك تقدم وأنت تصلي قال: دنت مني الجنة)، ربما يقول قائل من أصحاب العقول المستنيرة في زمن الاستنارة: كيف تدنو منه الجنة؟ أليس لكم عقول؟ نقول: عقولنا مع شرع ربنا حيث ثبت، أما أنتم فعقولكم في نعالكم، أسأل الله أن يهديكم؛ لأن الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.
ونحن نؤمن بهذا، بدون أدنى شك ولا ريب، ونؤمن بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دنت مني الجنة ورأيت ثمارها وكدت أن آخذ عنقوداً من عناقيد عنبها، ولو اقتطفته لأصبح طعاماً لأهل الأرض).
وهو القائل لـ بلال: (يا بلال أخبرني بأرجى عمل، فإني دخلت الجنة وسمعت صوت نعليك فيها).
وهو القائل لـ عمر بن الخطاب: (دخلت الجنة فإذا بي أجد قصراً وبجواره جارية، قلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتذكرت غيرتك يا عمر فما دخلت القصر، فبكى عمر وقال: أو منك أغار يا رسول الله).
لذلك بشر من بشر بالجنة في حال حياته صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة)، نظر الصحابة إلى الباب لينظروا من الداخل المبشر، فإذا به عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وفي اليوم التالي قال النبي صلى الله عليه وسلم نفس المقولة، وفي اليوم الثالث كذلك، فقال: عبد الله بن عمرو: لابد أن أنظر في عمله، فقال له: إني لاحيت أبي -يعني: حصل لي خلاف مع أبي- وأسألك أن تستضيفني ليالي عندك، فقال له: مرحباً، فنام عنده، ينظر ماذا يصنع؟ فإذا بـ ابن سلام يقوم آخر الليل قبل الفجر ليصلي ركعات، لم يكثر من الصلاة ولا من الصيام، فاستقل ابن عمرو عبادته، فالناس تصلي أكثر منه، فلم تقدم على هؤلاء الناس؟ وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: إنه من أهل الجنة، فلما أحتار في شأنه قال: لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنك من أهل الجنة، فما هو العمل الذي جعلك تكون من أهلها، قال: لا شيء، غير أني أبيت لا أحمل في صدري غلاً لمسلم، قال: تلك التي بلغت بك، وتلك التي لا نطيق.
وحينما رأى المرأة السوداء التي