أيها الإخوة الكرام الأحباب! ونحن في هذا الشهر المبارك شهر شعبان، وقد ورد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بل أحاديث بعضها ضعيف وبعضها حسن وبعضها صحيح، وأصح ما ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم عنه: (ذاك شهر بين رجب ورمضان يغفل عنه كثير من الناس، ترفع فيه الأعمال إلى الله، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) فكان صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شعبان، وعندما تريد أن تصلي الفريضة تصلي نافلة تأهباً لدخول الفريضة، هكذا شعبان يؤهبك لدخول رمضان، وبلوغ رمضان نعمة على العبد لابد أن يشكر الله عليها، فإن انتقلنا إلى القبور وسألناهم: ماذا ترغبون أو تتمنون؟ لقالوا: نتمنى أن نخرج لنصوم معكم رمضان.
فرمضان شهر رب العالمين، خصه بصفات وسمات، وجعله محلاً لنزول القرآن ومحلاً للصيام ومحلاً لليلة القدر ومحلاً للعتق من النار، ومحلاً للأعمال الفاضلة، حدث ولا حرج عما في رمضان، وها نحن الآن نستعد لاستقبال هذا الشهر، كان سلفنا إذا صاموا رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم صيامه، وستة أشهر أن يبلغهم رمضان القادم، وكانوا إذا دخل رمضان أغلقوا كتب العلم وقالوا: جاء شهر القرآن، وقد أثر عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه كان يختم القرآن في كل ثلاثة أيام في رمضان، فإذا جاءت العشر الأواخر كان يختمه في كل يوم مرة فإن قال قائل: كيف هذا؟! هذا عسير وصعب أقول له: يسر على من يسره الله عليه؛ ولذلك صحح بعض العلماء أثراً عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه دخل إلى حجر الكعبة وكبر تكبيرة الإحرام، وما ركع حتى أتم قراءات القرآن، قد يقول قائل: كيف؟ أقول لك: هذا توفيق من الله، وتوفيق الله لا تسل عن حاله.
يقول سعيد بن المسيب: مكثت أربعين سنة لا أرى خلف مصل يعني: في الصف الأول دائماً.
ثم يقول: ومكثت أربعين سنة أصلي الفجر بوضوء العشاء.
إن قلت: كيف؟ أقول لك: هذا توفيق من الله، وتوفيق الله لا تسل عن حاله؛ ولذلك لما حاصروا بيت عثمان وقتلوه وهو صائم والمصحف بين يديه، وسال دمه على مصحفه قالت زوجته: قتلتموه وإنه ليصلي الليل بالقرآن كاملاً، وفيه أنزل الله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ ربه} [الزمر:9].