قال تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10]، صفات لرجل من المشركين اختلف المفسرون في اسمه، والاسم لا يقدم ولا يؤخر عندنا.
فقوله: (حَلَّافٍ): كثير الحلف، وهي صفة من صفات المنافقين، ومن صفات الضعفاء: أنهم يتخذون أيمانهم جنة أي وقاية؛ والضعيف يكثر الحلف بالحق والباطل.
يقسم العلماء اليمين إلى ثلاثة أقسام: يمين لغو، ويمين منعقدة، ويمين غموس.
أما اليمين اللغو فقال الله فيه: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة:225] كقولك: والله لتأكلن، والله لتشربن، فهذه أيمان لغو لا يؤاخذ عليها العبد، أما اليمين المنعقدة: هو ما عقده المرء بقلبه ونطق به اللسان على أن يفعل شيئاً أو يفعل، فإذا حلف بالله سبحانه وأراد أن يحنث في يمينه عليه أن يكفر بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات عند الأحناف، كما عند الجمهور أن الأولى هو التتابع.
أما اليمين الغموس: فهو اليمين الذي يغمس صاحبه في نار جهنم؛ لأنه يحلف بالله كاذباً ويوقن بأنه كاذب.
ومن صفات المنافقين في القرآن الكريم أنهم: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة:16]، أي: بسبب ضعفه يجعل الحلف وقاية له.
فقوله: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم:10] أي: ضعيف، {هَمَّازٍ} [القلم:11]، والهمز كما قال ابن عباس: هو الغيبة، يذكر الناس في عدم حضورهم بلسانه بسوء، واللماز: هو الذي يشير إليه بأفعاله فاللمز بالفعل والهمز باللسان؛ لذلك يقول ربنا: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1]، وكم من المسلمين اليوم لا يحلو لهم كلام إلا إذا تمضمضوا بأعراض إخوانهم، فإياك إياك والغيبة، فمن أكبر الكبائر، بل من أشد الأمراض على القلوب أن تذكر أخاك بما يكره، قال: (يا رسول الله! إن كان فيه ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).
قال تعالى: {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11]، النميمة: نقل الكلام من جهة إلى جهة بغرض الإيقاع بين الناس، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)، وفي صحيح البخاري: (مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين.
فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله)، وفي رواية: (لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجريدة فشقت إلى نصفين، ووضع على كل قبر نصفاً، وقال: لعل الله يخفف بهما عنهما ما لم ييبسا)، وبعض أهل البدع يأتون بجريد ويضعونه على قبور الموتى؛ بدليل هذا الحديث، وهذا لا يجوز؛ لأن هذه خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم للأسباب التالية: الأول: أنه اطلع عليهما وهما يعذبان، وما أدراك أنت أن صاحب القبر يعذب؟ ثانياً: أن الله أوحى إليه أنه يخفف بهما عنهما ما لم ييبسا.
ثالثاً: هل فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل مرة أخرى؟ ما فعل، وهل نقل عن الصحابة أنهم كانوا يضعون جريداً على قبورهم؟ ما نقل، وهل نقل عن التابعين؟ ما نقل، فعلم أن المسألة خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم.
والشاهد في الحديث: (وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة)؛ ولذلك خرج رجل إلى سوق يبيع فيه غلامه، فقال: أيها الناس! غلام جيد يحسن كذا وكذا، إلا أنه نمام ينقل الكلام، فرجل أحمق قال: النميمة ليست عيباً، طالما فيه هذه الميزات، نشتريه ولا مشكلة في ذلك، فاشترى الخادم وعاد به إلى بيته، وانظروا إلى ما صنع، في يوم جاء لسيده، وقال له: إن سيدتي تريد أن تقتلك وأنت نائم فاضطجع على الفراش وتناوم، يعني: اجعل نفسك نائماً، ثم جاء للزوجة وقال لها: سيدي يريد أن يتزوج عليك، وإن أردت ألا يفعل فخذي شعرة من شعرات لحيته وهو نائم، وادفعيها لي حتى أفعل الذي يمنعه، وأنتم تعلمون أن النساء لا يردن أن يكون لهن شريك في الرجل، فجاءت المرأة بالليل تأخذ من لحية زوجها شعرة، وبينما هي تخرج الموسى نظر الزوج إليها فتيقن من كلام غلامه النمام، فأمسك بها وجذب الموسى من يدها، وطعنها فقتلها في الحال، واجتمع أهلها عليه فقتلوه، وقامت الحرب بين العائلتين ثم بين البلدتين بسبب هذا النمام.
فمن قال لك: قال عنك فلان، وبعضنا يستهوي أن يسمع، فلا تأبه لذلك.
جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز وقال: فلان يقول عنك كذا، قال: أيها الرجل إن كنت صادقاً فيما تقول فأنت من الذين قال الله فيهم: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11]، وإن كنت كاذباً فيما تقول: فأنت من الذين قال الله فيهم: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] اخرج.
قال: العفو والصفح يا أمير المؤمنين.
فنحن كلم