الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فالمتأمل في نصوص القرآن الكريم يجد أن كل رسول كان من جنس قومه، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ} [الأعراف:85]، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ} [الأعراف:73].
لأن القوم حينما يعرفون من يدعوهم يكون ذلك أرحم بهم، وكانت لغة التلطف في الحوار هي لغة الأنبياء مع أقوامهم في بداية الأمر، فإذا انتهكت حرمات الله واستهزئ بحدوده واستخف بأوامره غضبوا، فاللين في جانب الدعوة برفق وتلطف واستخدام أفضل الوسائل في الدعوة، وأما إذا انتهكت الحدود فلا تسكت، وأدنى درجات الإيمان الإنكار بالقلب، أما أن تشارك حتى يرضى عنك الآخرون، ولا تصطدم معهم ولا تبدي لهم أي نفور أو عدم قبول فهذه مداهنة، وهذا مثل ما عمل مفكرنا الإسلامي وأستاذنا العظيم عندما تقدم باقتراح إلى مجمع البحوث يطلب فيه استتابة المرتد مدى الحياة وعدم قتله، وهذا فيه إهدار للنصوص الشرعية، ولا أدري ماذا يعمل مع ما جاء في البخاري من أن معاذاً جاء إلى أبي موسى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى كلاً منهما في مكان من أرض اليمن، فوجد رجلاً مربوطاً فقال لـ أبي موسى: من هذا؟ قال له: مرتد، وقد استتبناه ثلاثاً، قال: لا أنزل من على دابتي حتى يقتل، قال: وهل أتينا به إلا لقتله، قال: لا أنزل حتى يقتل، وأبى معاذ أن ينزل حتى قتل المرتد؟ وماذا يقول مع ما جاء عند البخاري: (من بدل دينه فاقتلوه)؟ أي: بعد استتابته ثلاثاً كما ذهب إليه جمهور العلماء من السلف وغيرهم.
ولما ذهب أبو أيوب إلى سالم بن عبد الله بن عمر في عرسه ليهنئه على زواجه، وجد على جدران سالم ستائر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن تغطى الجدران بالستائر، وعن كسوتها، فقال أبو أيوب: تكسون الجدران بالأقمشة وقد سمعتم النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك؟ فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء يا أبا أيوب! فأبى أبو أيوب أن يجلس ورجع.
وابن عمر لما خرج في جنازة وجدهم يسيرون ببطء، ومن السنة في الجنازة الرمل، كما كانت سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: إن لم تسرعوا بها فسأعود حالاً، ولم يقبل أن يسير في مخالفة السنة.
هذه نصوص شرعية واضحة بينة في أن الشدة تكون في حال ارتكاب مخالفة، شريطة أن تكون ليناً في جانب اللين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعتنا.
اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذكراً.
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وغمومنا، ونور أبصارنا.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً، ونسألك رضاك والجنة.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك.
اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر دينك في ربوع الأرض يا رب العالمين! اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بشر فاجعل كيده في نحره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود وفرعون.
اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن خاتمتنا.
آمين.
آمين.
آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.