لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى (?) : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ. ولكن نقول:
اذهب فنحن معك وبين يديك، وعن يمينك وشمالك مقاتلون. وشاورهم أيضا أين يكون المنزل حتى أشار المنذر بن عمرو بالتقدم أمام القوم، وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو. فأشار جمهورهم بالخروج إليهم فخرج إليهم.
وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ. فأبى ذلك عليه السعدان: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فترك ذلك. وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراريّ المشركين فقال له الصديق: إنا لم نجئ لقتال أحد، وإنما جئنا معتمرين فأجابه إلى ما قاله.
وقال صلى الله عليه وسلم في قصة الإفك (?) : أشيروا عليّ، معشر المسلمين، في قوم أبنوا أهلي ورموهم. وأيم الله ما علمت على أهلي من سوء. وأبنوهم بمن، والله، ما علمت عليه إلا خيرا.
واستشار عليا وأسامة في فراق عائشة رضي الله عنها. فكان صلى الله عليه وسلم يشاورهم في الحروب ونحوها. أفاده الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى.
قال الخفاجيّ: في الآية إرشاد إلى الاجتهاد وجوازه بحضرته صلى الله عليه وسلم. وقال الرازيّ: دلت على أنه صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالاجتهاد إذا لم ينزل عليه الوحي. والاجتهاد يتقوى بالمناظرة والمباحثة، فلهذا كان مأمورا بالمشاورة، انتهى.
وقال بعض المفسرين: ثمرة الآية وجوب التمسك بمكارم الأخلاق وخصوصا لمن يدعو إلى الله تعالى ويأمر بالمعروف. فَإِذا عَزَمْتَ أي بعد المشاورة على أمر واطمأنت به نفسك فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ في الإعانة على إمضاء ما عزمت، لا على المشورة وأصحابها. قال الرازيّ: دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يهمل الإنسان نفسه، كما يقول بعض الجهال. وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل، بل