الغضب الموجب للعنف والسطوة لا سيما مع اعتراض من اعترض على ما أشار به، إلا بسبب رحمة عظيمة وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا أي سيّئ الخلق خشن الكلام غَلِيظَ الْقَلْبِ أي قاسيه وشديدة. تعاملهم بالعنف والجفا لَانْفَضُّوا أي تفرقوا مِنْ حَوْلِكَ فلم يسكنوا إليك فلا تتم دعوتك. ولكن الله جعلك سهلا سمحا طلقا لينا لطيفا بارّا رؤوفا رحيما. فَاعْفُ عَنْهُمْ أي فيما فرطوا في حقك كما عفا الله عنهم وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ إتماما للشفقة عليهم وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أي أمر الحرب وغيره توددا إليهم وتطيبا لنفوسهم واستظهارا بآرائهم وتمهيدا لسنة المشاورة في الأمة. وقد ساق العلامة الرازيّ وجوها أخرى في فائدة أمره تعالى له عليه الصلاة والسلام بمشاورتهم.
منها: أنه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أكمل الناس عقلا، إلا أن علوم الخلق متناهية. فلا يبعد أن يخطر ببال إنسان من وجوه المصالح ما لا يخطر بباله. لا سيما فيما يفعل من أمور الدنيا.،
فإنه صلى الله عليه وسلم قال (?) : أنتم أعرف بأمور دنياكم.
ومنها: أن الأمر بمشاورتهم لا لأجل أنه صلى الله عليه وسلم محتاج إليهم، ولكن لأجل أنه إذا شاورهم في الأمر اجتهد كل واحد منهم في استخراج الوجه الأصلح في تلك الواقعة فتصير الأرواح متطابقة متوافقة على تحصيل أصلح الوجوه فيها، وتطابق الأرواح الطاهرة على الشيء الواحد مما يعين على حصوله. وهذا هو السر عند الاجتماع في الصلوات، وهو السر في أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد. انتهى.
وقد ثبت مشاورته صلى الله عليه وسلم لأصحابه في عدة أمور: منها أنه شاورهم في يوم بدر (?) في الذهاب إلى العير. فقالوا: يا رسول الله لو استعرضت بنا عرض البحر