الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما: غاية الحب مع غاية الذل. هذا تمام العبودية. وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين. فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله، فقد شبهه به في خالص حقه.
وهذا من المحال أن تأتي به شريعة من الشرائع. وقبحه مستقر في كل فطرة وعقل.
ولكن غيرت الشيطان فطر أكثر الخلق وعقولهم، وأفسدتها عليهم، واجتالتهم عنها.
ومضى على الفطرة الأولى من سبقت له من الله الحسنى. فأرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بما يوافق فطرتهم وعقولهم. فازدادوا بذلك نورا على نور. يهدي الله لنوره من يشاء.
إذا عرف هذا، فمن خصائص الإلهية السجود. فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به. ومنها التوكل. فمن توكل على غيره فقد شبهه به. ومنها التوبة. فمن تاب لغيره فقد شبهه به. ومنها الحلف باسمه تعظيما وإجلالا. فمن حلف بغيره فقد شبهه به. هذا في جانب التشبيه. وأما في جانب التشبه به، فمن تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم، والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفا ورجاء، والتجاء واستعانة، فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته. وهو حقيق بأن يهينه غاية الهوان. ويذله غاية الذل ويجعله تحت أقدام خلقه.
وفي الصحيح (?) عنه صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: العظمة إزاري والكبرياء ردائي. فمن نازعني واحدا منهما عذبته»
. وإذا كان المصور، الذي يصنع الصورة بيده، من أشد الناس عذابا يوم القيامة، لتشبهه بالله في مجرد الصنعة- فما الظن بالتشبه بالله في الربوبية والإلهية، كما
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم (?) : «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون»
. يقال لهم: أحيوا ما خلقتم.
وفي الصحيح (?) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن