الفائِدةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ: تَأكيد الحُكْم على حسب ما تَقتَضيه الحال. أو بعِبارة أصَحَّ: تأكيد الخبَرِ على حسب ما تَقتَضِيه الحالُ.
وقد ذَكَر البلاغِيُّون أنَّ الخبَر يَنقَسِم إلى ثلاثة أقسام: إمَّا أن يُلقَى إلى خالِي الذِّهْن، أو إلى المترَدِّد، أو إلى المُنكِر، فإن أُلقِيَ إلى خالي الذِّهْن؛ فإنه لا حاجةَ إلى تَأكيده، ولا يُمكِن أن يُؤكَد حسب قَواعِد البلاغة إلَّا لنكْتة، وإن أُلقِيَ إلى مُتَردِّد حَسُن تَوكيده ليَزول عنه هذا التّردُّدُ والشَّكُّ، وإن أُلقِيَ إلى مُنكِر وجَبَ تَوْكيده، فالأوَّلُ ابتدائِيٌّ، والثاني طلَبيٌّ، والثالِث إنكارِيٌّ. وقد ذكَرْنا ذلك في (شرح البلاغة) (?).
وأمَّا قوله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} فالخَبر هنا نَوعُه إِنْكارِيٌّ؛ لأَنَّه يُخاطَب به قومٌ مُنكِرون، فكان تَأكيدُه واجِبًا، وقد ذكَرْنا ذلك أثناء الشرح إيرادًا، وهو أنه إذا كان هؤلاء مُنكِرين فلا فائِدةَ من القَسَم لهم؛ لأنَّ المُنكِر للخبر سَواءٌ أَقسَمْتَ أم لم تُقسِم فلن يُصدِّقَكَ، وأَجَبْنا عن ذلك بأنَ هذا هو مُقتَضى اللِّسان العرَبيِّ، ويَدُلّ على أن المُتكلِّم مُستَيْقِن من وقوع هذا الشيءِ كما استَيقَن من وجود المَحلوف به.
* * *