إليها العِلْم على سبيل المُبالَغة، كما أن فيه مُبالغةً أيضًا من حيث الكيفية، لا من حيث الكِمِّية فقَطْ، فإنَّ عِلْم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للغُيوب ليس عِلْمًا سطحِيًّا، بل هو عِلْمٌ عميق يَصِل إلى أَخفَى شيء من الغُيوب، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5].
وقوله تعالى: {الْغُيُوبِ} جمعُ غَيبٍ، وهو ما غاب عن الإنسان، سَواءٌ كان في الحاضِر أو الماضي أو المُستَقْبَل، أمَّا المُستَقبَل فظاهِر، فإنه لا أحَدَ يُمكِنه أن يَعلَم الغيب في المُستَقبَل، بل مَنِ ادَّعى عِلْم الغَيْب في المُستَقبَل فهو كافِر؛ لأن الله تعالى يَقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65]. فيَكون مُدَّعِي الغيب في المُستَقبَل مُكذِّبًا للقُرآن، وتَكذيب القُرآن كُفْرٌ.
أمَّا الحاضِر والماضي فهو في الحقيقة غَيْبٌ نِسْبِيٌّ بحيث يَكون غَيْبًا عَنَّي وليس بغَيْب عمَّن شاهِده، فلو أن حادِثةً وقعَتْ في بلدٍ ما وأنا لست في هذا البَلدِ فهي بالنِّسبة إليَّ غَيْب وبالنِّسبة لمَن شاهَدها ليست بغَيْب.
فَإِذَنِ: المُستَقْبَل غيبٌ مُطلَقٌ، والحاضِر والماضي غَيْب نِسْبيٌّ؛ يَظهَر لمَن رآه ولا يَظهَر لمَن لم يَرَهُ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: فضيلة الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وذلك بإضافة رُبوبية الله تعالى إليه، وهذه الرُّبوبيةُ خاصَّة.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بَيان قوة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حيث يَرمِي بالحَقِّ على الباطِل على وجه القولة؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} أي: يَرمِي به بقُوَّة وشِدَّة، على الباطِل.