الآية (44)

* * *

قالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} [سبأ: 44].

* * *

قال رَحِمَهُ الله: [فمِن أينَ كَذَّبوك؟ ! ] قوله تعالى: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} اختَلَف المُفسِّرون رَحِمَهُم اللهُ في مَعناها فقال بعضُهم: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} يُناقِض ما قُلتَ، فإذا لم يَكُن عندهم عِلْم من كُتُب يَدرُسونها، ولا عِلْم من نُذُر أَتَتْهم يُخالِفُ ما أنت عليه، فكَيْف يُكذِّبونك؟ ! وعليه: فيَكون المُرادُ بهذه الآيةِ أنَّ تَكذيبهم إيَّاكَ صادِر عن جَهْل؛ لأَنَّه تعالى يَقول: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ} ولم يَقُلْ: آتَيْناهُم.

وقوله تعالى: {مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} تَدُلُّ على أنَّ ما قالوه في وَصْفك حَقٌّ، {وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} يُناقِض ما جِئْت به، حتى يَقولوا: إنك كاذِب وساحِر. فيَكون المُرادَ بالآية أنَّ هؤلاء الذين كذَّبوك لم يَستَنِدوا في تَكذيبك على عِلْم، لا مِن كُتُب، ولا من وَحْي؛ لأن الكُتُب يَدرُسونها، وَيفهَمون ما فيها، وَيعلَمون أن ما جِئْت بها مُناقِض لها، ولا من نَذير أَنذَرَهم وحذَّرَهم ممَّا جِئْت به، وقال: إنه سيَأتي كاذِب مُفتَرٍ فلا تُطيعوه، ونحن لو جاءَنا نَبيٌّ وقال: إنه نَبيٌّ من عند الله تعالى. نُكذِّبه؟ نعم؛ لأننا قد أُنذِرْنا من هؤلاءِ كما أَخبَرَنا النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015