والرُّؤْية هنا بصَرية، أَيْ: عايَنوه بأَعيُنهم وأَسرُّوا النَّدامة، لكن والله لا يَنفَع النَّدَم حينذاك، فالنَّدَم حين يَرَى الإنسانُ العذابَ لا يَنفَعه، إنما يَنفَع قبل أن يَرَى العذاب، قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَيْ: أَخفاها كلٌّ عن فَريقه مَخافةَ التَّعيير] واضِحٌ أن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ فسَّر (أَسَرُّوا) بمَعنَى: (أَخْفَوْا).

وقوله رَحِمَهُ اللهُ: {وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ {وَجَعَلْنَا} بمَعنَى: (صيَّرْنا) أَيْ: صيَّرْنا الأغلالَ.

والأغلالُ جمع غُلٍّ، وهو ربط اليَدين بعضها إلى بعض، وتَعليقهما في العُنُق، نَسال الله العافيةَ! ولهذا قال: {وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وأعناق جَمْع عُنُق وهي الرقَبة.

وقوله: {فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ هل هم الذين استكْبروا أو الذين استُضْعفوا؟

الجوابُ: كلا الفَريقين؛ لأن هؤلاءِ كُفار دُعاةٌ إلى الضلال، وأُولئك كُفَّارٌ مُقلِّدون بعد أن جاءَهُم الحقُّ؛ ولهذا قال: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ} فالكُلُّ كافِر، فجعَل الله تعالى الأغلالَ في عُنُق هؤلاءِ وهؤلاءِ، فهل نفَعَتْ أحَدًا منهم محُاجَجَتُه؟ أَبَدًا، وإنما هو من أَجْل إظهار العَداوة بينهم، كما قال الله تبَارَكَ وَتَعَالَى عن إبراهيمَ عَلَيهِ السَّلامُ حين قالَ لقَوْمه: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العنكبوت: 25]؛ قال عَزَّ وَجَّل: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38]، فهذه حالُ أهل النار يومَ القِيامة أعداءٌ، ولَعْن وسَبٌّ وشَتْم.

ولكنِ المُتَّقُون -اللهمَّ اجْعَلْنا وإيَّاكم مِنهم- على العَكْس من ذلك يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015