فبعضُ الناس يَتحمَّل ولا يُرِي غيرَه أنه نادِم، أو أنه ضجِر، أو ما أَشبَهَ ذلك.
ويُقال: إن رجُلًا عاد شَخْصًا مريضًا، وكان هذا المريضُ مُدنفًا أيْ: مرَضه شديد، فقال له: كيفَ حالُكَ؟ فقال: الحمد لله طيِّب، وأنا -يَفتَخِر بنفسه كما قال الشاعِرُ:
وَتجلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهِمُ ... إنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ
فقال له الذي عادَه: ولكِن:
وَإِذَا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ... أَلْفَيْتَ كُلَّ تَميمَةٍ لَا تَنْفَعُ (?)
يَعنِي: لو تَجلَّدْت وقبِلت الموت لا يَنفَع ذلك.
والشاهِد: أن الذين قالوا: (أَسَرُّوا) بمَعنَى: (أَخْفَوْا). قا لوا ذلك لِئَلَّا يُعابوا على ما صنَعوا.
أمَّا الذين قالوا: (أَسَرُّوا) بمَعنَى (أَظهَروا). فقالوا: إن الآياتِ كثيرةٌ تَدُلُّ على ندَمهم، وأنهم أَظهَروا ذلك ونَدِموا على ما صنَعوا، ولكن {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3].
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ} على تَرْك الإيمان به] الذي أَسَرَّهُمُ الفَريقان -كما قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ-: الذين استكْبروا والذين استُضْعِفوا.
وقوله عَزَ وَجَلَّ: {لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ}: {لَمَّا} بمَعنَى (حِين)، وتَقدَّم قريبًا أن {لَمَّا} تَأتِي في اللغة العربية على أربَعة أَوْجُهٍ.