-والعِياذُ بالله تعالى- في الدُّنيا تَجِد يَأتي إليه المُستكْبِر هذا الرئيسُ يَدعوه بلُطْف تامٍّ، وفي الآخِرة يَلعَن بعضُهم بعضًا، وَيتبَرَّأ بعضُهم من بعضٍ.
وانظُرْ إلى مَلِك غسَّانَ لمَّا بلَغه أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - هجَرَ كَعْبَ بنَ مالِكٍ - رضي الله عنه - أَرسَل إليه خِطابًا لطيفًا رَقيقًا وقال له: إنه بلَغَنا أن صاحِبَك قد هجَرَك، فأْتِ إلينا نُواسِكَ (?). انظُرْ إلى التَّلطُّف! ! ولكن لم يَنخَدِع كَعْبٌ - رضي الله عنه -، لإيمانه، وخاف أن يَنخَدِع في المُستَقبَل فذهَبَ إلى التّنُّور وأَوْقَد هذه الورَقةَ، وهكذا كل شيء تَخشَى على نَفْسك منه في المُستَقبَل يَجِب عليك أن تُتْلِفَه، لا تَقُلْ: إني الآنَ ما يُمكِن أن أَفعَل هذا الشيءَ أبَدًا، ولا يُمكِن أن أَضِلَّ به، صحيح أنك في بادِئ البَدْء قد لا تَنخَدِع، لكنَّ الشيطان يَعمَل عمَله، ولهذا يَجِب عليك أن تُتْلِفَ كُلَّ ما تَخشَى أن تَكون عاقِبَتُه عليك وخيمةً.
الحاصِلُ: أنَّ هؤلاءِ في الآخِرة ما يَتوَدَّدون ولا يَتَلطَّفون ولا يَفهَمون هؤلاءِ الأَتباعَ.
وقوله تعالى: {بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ} والإجرام هو الذَّنْب الذي لا يَرتَفِع.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أن هؤلاءِ الرُّؤَساءَ كانوا مُستكْبِرين مُستَعْلين على المَرؤُوسين؛ لقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بيانُ تَبرُّؤِ المَتبوعين من الأَتْباع، لقولهم: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ