وانظُرْ إلى الثقة قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}.

قوله -رَحِمَهُ اللهُ-: [{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يوم القِيامة]، وهذا الذي ذكَرَه المُفَسِّر -رَحِمَهُ اللهُ- لا شَكَّ أنَّه محُتَمَل في الآية، ويُحتَمَل أن الجمْع أعَمُّ من ذلك، وهو الجمْع في القِتال والجمْع يوم القِيامة يَجمَع بَيْننا ربُّنا في الدُّنيا في القِتال كما قال الله تعالى: {يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وقال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال: 41]، فهؤلاء وهؤلاء جَمَع الله تعالى بينهم، فيُمكِن أن يُراد بقَوْله تعالى: {يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} أي: في الدُّنيا في القِتال وفي الآخِرة للفَصْل، ثُمَّ بعد ذلك يَفتَح بَيْننا، يَحكُم بَيْننا بالحَقِّ، فيُدخِل المُحِقِّين الجنَّة والمُبطِلين النَّار.

وقوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا} يَعنِي: يَنصُر بعضَنا على بَعْض في الدُّنيا، والمُستَحِقُّ للنَّصْر منهمُ المُسلِمون بلا شَكٍّ؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7]، وقال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]، فيَجمَع الله تعالى بينَنا، ثُمَّ يَفتَح بينَنا بالحَقِّ، والحَقُّ يَعنِي: بالعَدْل الذي لا جَورَ فيه.

وإنَّما قُلْنا: إن الحَقَّ هنا هو العَدْل؛ لأنَّه وُصِف به الحُكْم قال تعالى: {يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ}، وقد أَشَرْنا فيما سبَق إلى أن الحَقَّ إن أُضيف إلى الأَخْبار فهو بمَعنَى الصِّدْق، وإن أُضيف إلى الأَحْكام فهو بمَعنَى العَدْل.

وقوله -رَحِمَهُ اللهُ-: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ} الحاكِم {الْعَلِيمُ} بما يَحكُم به] {الْفَتَّاحُ} صِيغة مُبالَغة مِثْل (الرَّزَّاق) صِيغة مُبالَغة، وإنَّما سَمَّى الله تعالى نَفْسه بالفَتَّاح؛ لكَثْره فُتوحاته على خَلْقه وحُكْمه بينهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015