الغيبَ، فأَراد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى أن يُبيِّن حالهَم لهم ولغيرهم، وأنهم لا يَعلَمون الغيب، مع أن الغَيْب الذي حصَل هنا ليس غَيْبًا مُطلَقًا، ولكنه غَيْبٌ نِسْبِيٌّ، إذ إن مَن كان قريبًا جِدًّا من سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فقد يَعرِف أنه مات، يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [وَمِنْهُ مَا غَابَ عَنْهُمْ مِنْ مَوْتِ سُلَيمانَ].

وقوله تعالى: {مَا لَبِثُوا} أي: ما بَقُوا، {فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} الذي أَلحَق بهم المَهانة والذُّلَّ، وقال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [الشَّاقِّ لِظَنِّهِمْ حَيَاتَهُ خِلَافَ ظَنِّهِمْ عِلْمَ الْغَيْبِ] يَعنِي: كانوا يَظُنُّون أنهم يَعلَمون الغَيْب، فلمَّا خَرَّ مَيْتًا تَبيَّن لهم أنهم لا يَعلَمون الغَيْب قال: [وَعُلِمَ كَوْنُهُ سُنَّة بِحِسَابِ مَا أَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ مِنَ الْعَصَا بَعْدَ مَوْتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَثَلًا]، هذا جوابٌ عمَّا قيل: إنه بقِيَ سَنَةً وهو مَيْت ولم يُعلَم به، يَعني: أنه لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما الذي أَعلَمَكم بأنه سَنَة؟ قال: علِمْنا ذلك بالحِساب، لأننا حَسَبْنا ما أَكَلَتْه الأَرْض يومًا وليلة من العصا فقِسْنا عليه ما مضَى؛ فمَثَلًا إذا كانت تَأكُل في اليوم والليلة مثَلًا (سَنْتَيمِتر) عرَفْنا أنها تَأكُل في السَّنَة ثلاثَ مِئة وسِتَّين (سَنْتِيمِترًا) وعرَفنا هذا من طول العَصا، ولكن هذا في الحقيقة ليس مُتعَيِّنًا، إذ قد تَأكُل اليومَ أكثَرَ مِمَّا تَأكُله بالأَمْس أو بالعكس، وحتى نَقول أيضًا: من الذي قال: إنها أَكَلَتْ في اليوم والليلة هذا المِقدارَ حتى عُرِف به ما مَضَى. يَحتاج إلى دليل؛ ولهذا الصوابُ أنَّ ما سبَق أن قُلْناه: بأنه لا حاجةَ لنا إلى تَقدير المُدَّة التي لَبِثها سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وأنَّ مِثْل هذه الأُمورِ لا يُركَن إليها ولا يُعتَمَد إلَّا إذا جاءَت عن الشارع عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو جاءَت في كِتاب الله تعالى، وأمَّا ما يَأتي عن بني إسرائيلَ في مثل هذه الأُمورِ فإننا نَقِف فيه لا نُصدَّق ولا نُكذَّب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015