وقوله تعالى: {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ}: {تَبَيَّنَتِ} أي: عَلِمَت وبان لها، وفسَّرها المُفَسَّر رَحِمَهُ اللَّهُ بقوله: [انْكَشَفَ لَهُمْ]، (أنْ) مخُفَّفة من الثَّقيلة؛ أي: أنَّهم (لو كانوا يَعلَمون الغيبَ)، وإذا خُفِّفت الثَّقيلة وجَب حَذْف اسْمِها، وكان خَبَرُها جملةً فهُنا الخبَرُ: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} وإعرابُها أن تَقول: (أن) مُخفَّفة من الثَّقيلة، واسمُها ضمير الشَّأْن مُستَتِر، وجُملة {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} في مَحَلَّ رَفْع خَبَرها.
وفي قول المُفَسَّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَنَّهُمْ] إشارة إلى ما سبَق أن قُلْنا: أنَّ ضمير الشَّأْن يَنبَغي أن يَكون مُناسِبًا للمَقام، فقد يَكون مُفرَدًا، وقد يَكون جَمْعًا، وقد يَكون للغائِب، وقد يَكون للمُخاطَب، خِلافًا لما عليه أكثَرُ النَّحوِيِّين حيث يُقدَّرونه مُفرَدًا للغائِب، وَيقولون: إنه أي: الحالُ {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا}.
قوله تعالى: {لَوْ} شَرْطية، وجوابُها {مَا لَبِثُوا}، و {لَوْ} تَأتي شَرْطية،
وتَأْتي مَصدَرية، وتَأتي بمَعنى: وَدَّ كذا، فتَأتي شَرْطية مثل هذه الآيةِ، ومثل أن تَقول: (لو زُرْتَنِي لأَكْرَمْتُكَ) وتَأتِي مَصدَرية إذا جاءت بعد (وَدَّ)، كقوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)} [القلم: 9] أي: أن تُدهِنوا، وهذا مَعناها فقَطْ، وهنا هي شَرْطية وفِعْل الشَّرْط فيها قوله تعالى: {كَانُوا يَعْلَمُونَ} وجوابُه: {مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}.
وقول المُفَسَّر رَحِمَهُ اللَّهُ: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} [وَمِنْهُ مَا غَابَ عَنْهُمْ مِنْ مَوْتِ سُلَيْمَانَ {مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} العَمَلِ الشَّاقِّ لَهُمْ لِظَنِّهِمْ حَيَاتَهُ خِلَافَ ظَنَّهِمْ عِلْمَ الْغَيْبِ]، وهذا واضِح؛ لأنهم لو كانوا يَعلَمون الغيبَ لعَلِموا أنَّه مات قبل أن يَخِرَّ بسبَب تَآَكُل عَصاهُ، ولعلهم كانوا يَظُنُّون أو يَدَّعون أنهم كانوا يَعلَمون