وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ... جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
وهنا اجتمعَ شرطٌ وقسمٌ: الشَّرط (إنْ)، والقسم (والله) المحذوف، يقول: "احذِف لَدَى اجتماعِ شرطٍ وقسمٍ جَوابَ ما أخرت" والمؤخَّر هُوَ الشَّرط، فيكون الجواب الموْجود للقسمِ، وَهُوَ كذلك.
وقوله: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي} (إِلَهًا) بمَعْنى: مألوهٍ، أي: معبود، والمُراد بالمعبودِ هنا المعبودُ الَّذِي يَستحِقّ أن يُعْبَد، وذلك لربوبيَّتِهِ، فهو يعتقد أَنَّهُ الرب، فيجب أن يكون هُوَ الإله الَّذِي يُعْبَد.
قال: {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} انظر: {مِنَ الْمَسْجُونِينَ} ولم يقلْ: لَأَسجنَّنك، كما قال الله تعالى فِي قصة يُوسُف: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ} [يوسف: 35]، بل قَالَ: {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} زيادة فِي تهديدِ مُوسَى، كأنه يقول: إن هناك سُجَنَاء، وأنا قادرٌ عَلَى سجنِ النَّاسِ، فإذا لم تَتَّخِذْنِي إلهًا واتخذتَ إلهًا غَيري، جعلتُكَ فِي جملةِ هَؤُلَاءِ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{مِنَ الْمَسْجُونِينَ} كَانَ سِجْنُه شديدًا؛ يَحْبِسُ الشخصَ فِي مكانٍ تحتَ الأرضِ وحدَه، لا يُبْصِر ولا يَسْمَع فيه أحدًا]. وهذا لَيْسَ شديدًا بما نَعْرِفُ من السجونِ، فهي أشدُّ من هَذَا بكثيرٍ، وفِرْعَوْن إنَّما قَالَ: {لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} أما كيف يَسْجُنُهُ فالآيةُ لم تَتَعَرَّضْ له، وأيضًا إذا كَانَ معروفًا أنَّ سَجْنَهُ بهذه الكيفيَّة فهذا السِّجْنُ لَيْسَ شديدًا، بل فِي السُّجُون مِنَ التعذيبِ ما هُوَ أشدُّ، فنسمع أَنَّهُ - وَالْعِيَاذُ بِاللهِ - يُؤْتَى بالشخصِ ويُجْعَل فِي مِثل برميل، وفيه مساميرُ وتحته نارٌ، فهذا الرَّجُلُ لا يستطيع أنْ يَجْلِس؛ إن جلسَ خَرَقَتْهُ المساميرُ، وإنِ اتَّكَأَ عَلَى أحدِ الجُدران كذلك، فهذا - وَالْعِيَاذُ بِاللهِ - من الأساليب الَّتِي يَفْعَلُونها.