والدَّليلُ على أنَّها مخفَّفة ليستْ نافيةً: أمرانِ:
الأمر الأوَّلُ: لَفظيّ، وهو اللامُ؛ لأنَّ اللامَ لا تَقْتَرِن إلَّا في خبرِ (إنْ) المخفَّفة.
والأمر الثَّاني: المَعْنى: فلو قال قائل: إنّ (إنْ) نافية، قلنا: ليس كذلك؛ لأنَّهم لو قالُوا: ما نَظُنُّكَ مِنَ الكاذبينَ، لكَانوا مُصدِّقينَ به، والأمرُ ليس كذلكَ، بل هم يريدونَ: إننا نظنُّك منَ الكاذبينَ، وهذا الظنُّ حَسَب اعتقادهم إنْ كَانوا جاهلينَ بالأمرِ، أو حسب عِنَادِهِم إنْ كَانوا عالِمينَ وكاتمينَ، مثل قول فِرعونَ: {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 37]، وهو يعلمُ أنه صادقٌ.
قَوْلهُ: [{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا} بسكون السين وفتحها: قِطَعًا: {مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} في رسالتك]، أعوذ بالله! هؤُلاءِ أخبثُ من قومِ صالحٍ؛ لأن أولئك قالُوا: {فَأْتِ بِآيَةٍ} [الشعراء: 154]، لكن هؤُلاءِ قالُوا: إنْ كنتَ صادِقًا بما تُوعِدُنا به فَأْتِ بالعذابِ: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ}، كقولِ قريشٍ للرسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حين قالُوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]، وهذا من سَفَاهَتِهِمْ، وكَان الواجب أنْ يقولوا: اللَّهمَّ إنْ كَان هذا هو الحقَّ مِن عندِكَ، فاهْدِنا إليه ووَفِّقْنا.
وما فعله أصحابُ الأيكةِ في تكذيبهم لِشُعَيْبٍ هو ما فَعَلَهُ غيرُهم من أقوامِ الأَنْبياءِ، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الأنعام: 148]، وهذا التشابهُ تشابهٌ في القلوبِ والأفعالِ.
قوله تعالى: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، (إِنْ) شرطيَّة، والغَرَضُ منها التحدِّي.