وإنَّما نصَّ على الطَّلْع دونَ غيره من الفوائدِ معَ كثرةِ فوائدِ النخيلِ؛ لأنه غاية ما يُنْتَفَعُ به منها، وإلَّا ففيها منافِعُ كَثِيرَةٌ، ولهذا شبّه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المؤمِنَ بها؛ لكثرةِ خيراتِه وفوائدِهِ، هذا من حيثُ الزُّرُوعُ والتنميةُ.
أما من حيثُ البناءُ والمساكنُ فقال: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ}، قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [بَطِرين، وفي قِراءَة: (فَارِهِينَ) حاذقينَ].
قَوْلهُ: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} المُراد بالنَّحْت منَ الجبال أنَّهم يَجعلون البيتَ من الجبلِ، وليس معناه أنَّهم يَنحِتُون الحَصَى ثم يَبْنُونَها، ولكنهم يجعلون البيتَ نفسَه منَ الجبلِ، فيكيّفون الجبلَ كما يريدونَ، وهو دَليل على مَقْدِرَتِهِم، وعلى كمالِ مَعْرِفَتِهِم بالهندسةِ؛ لأن شيئًا ليسَ أمامك، بل هو في باطنِ الحصَى والجبال والصخور، فتحتاج إلى تفكيرٍ قويٍّ كيف تَصْنَعُه؟ وكيف تجعلُ مَدْخَلَه؟ وكيف تجعل منه استراحةً؟ ... إلى آخرِهِ. فهو دليلٌ على قُوّتِهِم، وعلى حَذْقِهم في الهَنْدَسَةِ.
وكلمة: {فَارِهِينَ} يَعْنِي: بَطِرِينَ، فهي صفةٌ مُشَبَّهة، و (فَارِهِينَ) بالمَدّ اسمُ فاعلٍ، والمُرادُ به الحَذْقُ.
واختلافُ القراءَتَيْنِ تكون فيه فائدةٌ، وهي اجتماعُ المعنيينِ من هذه الكلمةِ، فيكونون متَّصِفينَ بالأمرينِ: بالبَطَر بِناءً على قِراءَةِ القَصْرِ، وبالحَذْقِ بناءً على قِراءَةِ المدّ، وهذا من فوائدِ تنوُّعِ القِراءَةِ؛ لأن تنوُّعَ القِراءَةِ له فوائدُ كَثِيرَة؛ منها أن تكونَ الكلمةُ جامعةً لمعنيينِ.
قَوْلُهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} هذه الجُملةُ مثلما تَقَدَّمَ في قِصَّة عادٍ؛ إما أنْ تكونَ مبنيةً على ما ذُكِر، وإما أن تكونَ مكرَّرةً لما سَبَقَ، فعلى الأوَّل تكون تأسيسًا، وعلى