وقَوْلهُ: {أَتُتْرَكُونَ} مبنيٌّ للمجهولِ للعلمِ بالفاعلِ، والفاعلُ هو اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، يَعْنِي: أَيَتْرُكُكُمُ اللهُ {فِي مَا هَاهُنَا}؟
وقَوْلهُ: {فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ} إلى آخرهِ، تذكيرٌ بنعمةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم، وأنَّهم لا يُمْكِنُ أنْ يُترَكوا في هذا الحالِ بدونِ أمرٍ ولا نَهْيٍ، فهو كقولِهِ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]، وقَوْلِه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115].
وقَوْلهُ: {فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ} حالٌ منَ الواوِ في: {أَتُتْرَكُونَ}، يَعْنِي حالَ كونِكم آمِنِينَ، والآمِنُ هو الَّذي أَمِن منَ الخوفِ، وفيه دليلٌ على استقرارِهِم في أوطانِهم، وأَمْنِهِم، والأمنُ معَ الرِّزق الواسعِ هما غايةُ النعمةِ في هذه الحياةِ.
قَوْلهُ: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} والجنَّات جمع جنَّة، وهي البساتينُ الكَثِيرَةُ الأشجارِ؛ لأنها تَسْتُر مَن فيها، وقَوْلهُ: {وَعُيُونٍ} جمعُ عينٍ، وهي المياهُ الجاريةُ بدونِ دوالٍ ولا نواضِحَ.
قَوْلهُ: {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} عطفَ ما ذكرَ على الجنَّات من بابِ العطفِ الخاصِّ على العامِّ؛ للعنايةِ به، وإلَّا فهو داخلٌ في الجنات؛ فإنَّ الزُّروع منها والنخيل كذلك.
والطَّلْع يَعْنِي: ما تطلعه، وقَوْلهُ: {هَضِيمٌ}: يقول: [لطيف لَيِّن]، والأمرُ كذلك؛ فإنَّ طَلْعَ النَّخيل من أَلين ما يكونُ وألطفه.
وقيل: إنَّ الهضِيم بمَعْنى النَّضِيد، كما قال الله تعالى: {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ} [ق: 10 - 11]، يَعْنِي أنه منضودٌ ليسَ متفرِّقًا لأجلِ أنْ يَسْهُلَ أخذُه وَجَنْيه.