وفي آياتٍ أُخْرَى ثَبَتَ أنَّهم لم يُصَدِّقوا بهود عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ} [هود: 59]، رسل الله، ولم يصدقوا عنادًا.
وإن سأل سائل: ما الحِكمة في كونِ بعضِ الرُّسُلِ أو بعض الأُمَم تَكَرَّر ذِكرها في القُرآنِ كثيرًا، وبعض الرُّسُل لم يأتِ له ذِكْرٌ قطُّ؟
فالجَواب: ما ذكرَ إلا الرُّسُل المحيطينَ بالعرب، الَّذينَ كَانوا يَعرفون أنباءَهم، فيكون هذا أقوَى، لكن الَّذي يكون بعيدًا عنِ العربِ ما ذُكر، لكن نَعْلَم أنّ الله بعثَ إليهم رسلًا: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، لكن ما ذكرَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من الرُّسُل إلَّا ما كَان حولَ الجزيرةِ.
ولا يدلُّ هذا على أن الَّذينَ ذُكروا في القُرآن أفضلُ من غيرهم؛ لأن غيرَهم ما ذُكروا؛ فلا نعرِف عنهم شيئًا، إنَّما أُولو العزم الخمسة هؤُلاءِ لا شكّ أنَّهم أفضلُ من غيرِهم.
حتى الأماكن والقرى التي ما اكتَشَفُوها إلّا حَديثًا، لكن هي موْجودةٌ من قبلُ، فهي موْجودةٌ من زمانٍ بلا شَكّ، وموْجود فيها أُناسٌ، ويُذكر أنّ شيخَ الإسلامِ تكلَّم عن هذا، وقال: لا بُدَّ أن هناك أحدًا في المقابلِ لوجهِ الكرةِ الأَرْضيَّة، فلا بُدَّ أن هناك أُناسًا، فلا يُمْكِن أن تُتْرَكَ الأَرْضُ بدون عِمارةٍ.
وفي قوله: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ} دَليل على أن التَّكذيب سببٌ للإهلاكِ، فيَنبغي للمؤمنِ الَّذي يَعتبر بِقصصِ الأَنْبِياءِ السابقينَ أنْ يَحْذَرَ من هذا - أي: منَ التَّكذيبِ - لأنه إنْ فَعَلَ أُهلِك.
* * *