الفخورينَ بقُوَّتِهم على غيرِهم أُهلكوا بألطف الأشياءِ، وهي الرِّيح.
ثم إنهم أُهلكوا في حالِ الرجاءِ؛ لأنَّ النِّقْمَة إذا أَتَتْ والإِنْسان يَتَوَقَّع النعمةَ، فتكون أشدّ، وكذلك إذا أتتِ النقمةُ والإِنْسانُ في نعمةٍ تكون أيضًا أشدَّ وأنكَى، والعياذُ باللهِ.
وفي قوله تعالى: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ} إلى آخره موعظةٌ لنا لِمَا نَسْمَعُه أحيانًا من هذه الأعاصيرِ المدمِّرة الَّتي تُقْلِع الأشجارَ، وتَخْرِب الدِّيارَ، وتُهلِك الثِّمار، وتهلِك الإعمارَ أيضًا، ولكن - مع الأسفِ - فإنَّ الكثيرَ منّا يَصْدُقُ عليهم قولُ الله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} [الطور: 44]، فهذا أمرٌ طبيعيٌّ.
والنَّاسُ الآنَ يَسمَعون بالزلازل، ويَسمعون بالأعاصيرِ، ويَسمعون بالفَيَضَانات العظيمةِ، ولكنَّهم لا يرونها أنها غَضَب من اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولكن يرون أنها أمرٌ طبيعيّ، ولهذا لا يتأثَّر الإِنْسان بها إطلاقًا، وكَأنَّها لا شيْء، بينَما ونحنُ صِغار كنَّا إذا سمِعنا أنَّ الأَرْضَ زُلزلت في أُحُدٍ نَرْتَجِف ونحن في بُيُوتنا آمنونَ؛ لأنه ما كَان أحد يقول لنا: إنه هذا أمر طبيعيّ، وهذا أمر لا يُهِمّ، وهذا أمرٌ كائن لا محالَةَ.
ومثل ذلك الكسوفُ، كَان النَّاس في الماضي إذا كَسَفَ القمرُ تَحْصُل منهم رَهبةٌ عظيمةٌ، ويحصُل منهم خوفٌ، ويَحْضُرون بأعدادٍ كبيرةٍ إلى المساجدِ من رجالٍ ونساء، وتحصُل صلاةٌ، وبكاءٌ، وخوفٌ، وقد رأيتُ هذا، أما الآنَ فلا ترى شيئًا من هذا، بل تجد هذا يشاهَد في التِّلفاز أغنيةً، وهذا يسمع أغنيةً من الراديو!
ويُستفاد من الآية أنَّهم قد عَصَوْا وكذَّبوا برسالةِ هودٍ، فهذه الآيةُ فيها العِنادُ،