ثم يُقال أيضًا: إن الآية ذكرتْ تسليةً للرسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ومن جهةٍ أُخرى تهديدًا للكفّارِ، والكفّار قد يشكّون - أو يُنْكِرون- فِي عِزَّة اللهِ ورحمته، فلهذا جمعَ بينهما مؤكّدًا.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَهُوَ الْعَزِيزُ} فانتقم من الكافرينَ بإغراقِهِمْ، {الرَّحِيمُ} بالمُؤمِنينَ، فأنجاهم مِنَ الغَرَقِ]، يَقْرِنُ الله تبَارَكَ وَتَعَالَى دائمًا بينَ العِزَّةِ والحِكْمَة، وأحيانًا فِي مثلِ هَذِهِ السُّورة بينَ العِزَّة والرَّحمة.
وبينَ الوصفيْنِ أو الإسمينِ تناسبٌ ظاهرٌ، أمَّا العِزَّة والحِكمة فالتناسُبُ بينهما هُوَ أنَّ الْعَزِيز هُوَ الغالبُ القاهرُ، والغالبُ القاهرُ إنْ لم تكنْ فِي غَلَبَتِهِ حِكْمَةٌ صار تَصَرّفه غيرَ محمودٍ؛ لأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ مِن مصدرِ القوَّةِ، وإذا كَانَ يَتَصَرَّفُ من مصدرِ القوةِ ولا حِكْمَة عنده صار يَبْطِشُ بطشًا فِي غير مَحَلِّه، وربَّما يَتْرُكُ ما يَنبغي فيهِ البَطْشُ، فجاءتِ الحكمةُ مقترِنةً بالعزّةِ، وأمّا هنا فلمَّا كَانَ فِي سِياقِ الآيَاتِ يَتَضَمَّن ما تَقتضيه الرحمةُ ويَتَضَمَّن ما تَقتضيه العزَّةُ، فإهلاك فِرْعَوْن يَقتضي أن يُقابَل بالعزَّةِ، وإنجاء مُوسَى يَقتضي أن يُقابَل بالرَّحمةِ لِأَنَّهُ من مقتضاه؛ جمعَ اللهُ تعالى بينهما.
* * *