* * *
* قالَ اللهُ عَزَّ وَجلَّ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: 68].
* * *
قوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} هَذَا ممَّا يؤيِّد ما ذَهبنا إليه؛ أنَّ المُرادَ
بأكثرهم: الَّذين نزلَ عليهم القُرآنُ، ولهذا أضافَ الربوبيَّة إِلَى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قولِهِ:
{وَإِنَّ رَبَّكَ}؛ لأنها تَقْتَضِي العنايةَ الخاصَّة بالرسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وفي قوله: {لَهُوَ الْعَزِيزُ} أتى باللامِ الدالَّة عَلَى التَّأكيدِ؛ لتكونَ الجُملةُ مؤكدةً بمؤكديْنِ.
فإذا قال قائل: الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وحاله لا يَقتضي التَّأكيدَ؛ لِأَنَّهُ مقرّ، ومن قواعدِ البلاغةِ أَنَّهُ لا يؤكَّد الكَلامُ إلَّا لِلْمُتَرَدِّد أو للمُنْكِر؛ فإن كَانَ للمتردِّد فهو استحسانٌ، وإنْ كَانَ للمنكِر فهو وجوبٌ، يعني التَّأكيد، وهنا أكَّد بمؤكدينِ معَ أن الخطابَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُقِرٌّ بذلك؟
فيُقال: إن هَذِهِ القاعدة الَّتِي ذكروها ليستْ عَلَى إطلاقها، بل فيها قُصُورٌ؛ فإنّ الشيْء يُؤَكَّد باعتبارِ حالِ المخاطَبِ، وحينَئذٍ نقولُ: إذا كَانَ مُتَرَدِّدًا فَيَحْسُنُ تأكيدُه، وإذا كَانَ مُنْكِرًا فيجبُ تأكيدُه، كذلك يؤكَّد الكَلامُ باعتبارِ أَهَمِّيَّتِهِ، فإذا كَانَ الكَلامُ موضعَ اهتمامٍ فَإِنَّهُ يؤكَّد حَتَّى وإنْ كَانَ المخاطَبُ مُقِرًّا به، لبيانِ اعتناءِ المتكلِّم به، فهنا هَذِهِ المسألةُ مُهِمَّة جدًّا.