أن يسألوه، فيطلبونَ من خَزَنَةِ جَهَنَّمَ أن يشفعوا لهم إلى الله أن يُخَفِّف عنهم، قال عَزَّ وَجَلَّ عنهم: {يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} ولكن تقول لهم الخزنة وتُوَبِّخُهُم: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} فيقولون {بَلَى} ثم يقولون: إذن نحن بُرَاءُ منكم ولا نتدخَّلُ في شَأْنِكُم.
وقوله تعالى: {فَادْعُوا} ادعوا أنتم؛ يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} ضائِع لا يَنْفَعُهُم؛ ولهذا إذا ألَحُّوا على ربِّهم: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} وانظرْ إلى التَّضَرُّعِ: {رَبَّنَا} والإعترافِ: {غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} فهم حكموا على أنْفُسِهِم، وكلُّ هذا من باب التَّضَرُّعِ؛ لأنَّ الإنسان إذا اعْتَبرَ بإساءته فإنَّ هذا مَدْعَاةٌ لرحمته، فإذا جاءك واحِدٌ يَعْتَذِر بذنبه ويعترف بذنبه، فهذا يوجِبُ أنَّك تَرْحَمُه، فهم يعترفون لعلهم يُرْحَمُون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}؛ قال الله تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ}: {اخْسَئُوا} أي ذلُّوا وكونوا حقَارَى {وَلَا تُكَلِّمُونِ} بأي كلمة حينئذ - والعياذ بالله - فيَيْئَسونَ من كل خَيْرٍ، نسألُ الله السَّلامَةَ؛ ولهذا قال: {وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ الفِسْقَ نوعان: فِسْقٌ أَكْبَرُ، وهو الكُفْرُ، وفِسْقٌ دون ذلك وهو المعاصي.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الكُفَّارَ مأواهم النَّار؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} الفِسْق المُخْرِج من المِلَّة، وهناك فِسْقٌ آخَرُ ليس مُخْرِجًا من المِلَّة؛ مثل