فالجِسْمِيُّ من النَّارِ، والعياذُ بالله: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} والقلبيُّ من هذا التَّوْبيخِ، قال تعالى: {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} وأيُّ حَسْرَة للإنسانِ عندما يقال له هكذا؟ ! ألَا يتحَسَّرُ ويقول: ليتني ما كَذَّبْتُ! كيف أُكَذِّبُ؟ ! وَيتَمَنَّى!
ففيه - والعياذ بالله - من التَّوبيخِ والتَّنْديم وإدخالِ الحَسْرَةِ ما هو ظاهِرٌ؛ ولهذا قال عَّزَّ وَجَلَّ في آيةٍ أخرى: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} ونحن إذا فاتنا شيءٌ في قضاء الله وقَدَرِه وهو مما يَسُرُّنا فهل الواحِدُ يَنْدَمُ؟
الجوابُ: يندَمُ، ويقول: ليتني فَعَلْتُ، وليتني فعلْتُ، مع أنه مَنْهِيٌّ عنه؛ لأنَّ هذا يفتَحُ عَمَلَ الشَّيطانِ، ويفتح بابَ النَّدمِ أو الإعْتِرَاض على القَدَرِ؛ ولهذا نهى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عنه (?).
فالمُهِمُّ: أنَّ هذا التَّوْبيخَ يكون عذابًا قلبيًّا، وأمَّا كونُهم يُرَدَّدُونَ: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} فهو عذاب جسمِيٌّ بدني، فهم دائمًا - والعياذُ بالله - في عذابٍ وحَسْرَةٍ ونَدَمٍ، كما قال تعالى: {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75] دائمًا وأبدًا، ليس هناك فَتْرَةُ راحةٍ؛ ولهذا يقولون: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} [غافر: 49] فانظر - والعياذُ بالله - إلى الخِزْيِ والتَّقاصُرِ، فما قالوا: ادْعُوا ربَّكُمْ يَرْفَعِ العَذابَ، ولكن قالوا: {يُخَفِّفْ} فقط، ولَا قالوا: {يُخَفِّفْ} دائمًا؛ بل قالوا: {يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا}، وهذا يدلُّ على شدَّة يَأْسِهم؛ لأنَّهُم أُيْئِسُوا من الرَّحْمة - والعياذ بالله - يتَمَنَّوْنَ، وليس لهم وجهٌ على الله