إنَّ مَنْ سادَ ثُمَّ سادَ أَبُوهُ ... ثُمَّ سادَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ جَدَّه (?)
وهذا التَّرتيبُ على خلافِ الواقِعِ، هذا أحَدُ الوَجْهَينِ.
وأمَّا إذا قُلْنَا: {ثُمَّ سَوَّاهُ} أي: النَّفْخ {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} كما قالَهُ بَعْضُ المُفَسِّرينَ، فالآيَةُ على التَّرتيبِ ليس فيها إشكالٌ، لكنْ هذا القولُ فيه إشكالٌ في قوله تعالى: {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} فإنَّ هذا الوَصْفَ خاصٌّ بآدَمَ؛ كما قال موسى له وهو يُحاجُّه: "أَنْتَ الَّذِي عَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَرْسَلَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ" (?)، فظاهِرُه أنَّ هذا خاصٌّ بآدَمَ.
ولهذا، الوَجْهُ الأَوَّلُ أَوْلَى من هذا الوَجْهِ، وإن كان الوَجْهُ الأوَّلُ له قُوَّةٌ من حيث الترتيبُ بـ (ثُمَّ) لكنْ من حيث إنَّ نَفْخَ الرُّوحِ ما كان إلا في آدَمَ وفي عيسى كما هو معلومٌ، فإنَّه يدلُّ على أنَّ المرادَ بقوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ} المراد به آدمُ، ويكون عَوْدًا على بَدْءٍ.
وقوله تعالى: {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} كَلِمَةُ {مِنْ رُوحِهِ} مضافةٌ إلى الله، وفيها إشكالٌ؛ إذ إنَّ ظاهِرَها أنَّ آدمَ فيه شيءٌ من رُوحِ الله، فيكون جزءًا من الله، وهذا شيءٌ مُمْتْنِع مستحيلٌ، فمعنى الإضافَةِ إذن: إضافَة خَلْقٍ وتَشْريفٍ؛ كما قال تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} بيتي، وهل الكَعْبَةُ بيتٌ لله يَسْكُنُه؟
الجوابُ: لا، لكنَّه بيتٌ أضافَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ لنَفْسِهِ على سبيلِ التَّشْريفِ والتَّعظيمِ،