أي: من خالصٍ من هذا الماء؛ لأنَّ الماء بإذن الله الذي هو المنيُّ يشتمل على حيواناتٍ منويَّة؛ منها يُخْلَقُ الإنسانُ، فهذه النُّطْفَة بمنزلة القُمْقُم في الرَّحِم؛ يعني: فيها نُمُوُّ الحيوانات المنويَّة، فهذا هو السُّلالَة.

وقوله تعالى: {مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} صِفَةٌ لـ {سُلَالَةٍ} فإن هذه السُّلالة من هذا الماء.

وقد يُقال: لماذا لا تجعلون {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} بيانًا لقوله تعالى: {مِنْ سُلَالَةٍ} يعني: من سُلالَةٍ هِيَ الماءُ المهينُ؟

نَقُول: هذا خلافُ الظَّاهِرُ، والظَّاهِرُ: {مِنْ سُلَالَةٍ} من هذا الماء، والماءُ المَهينُ يكون ضعيفًا وهو النُّطْفَة، ووُصِفَ بأنه ضعيفٌ؛ لأنه لا يسيلُ سَيَلانَ الماءِ فهو يَسيلُ بِبُطْء، والماءُ أقوى منه سَيَلَانًا؛ ولهذا قال: {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} لأنَّ الماءَ الغليظَ ليس مِثْلَ الماءِ الَّذي ليس فيه غِلْظَةٌ.

قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ} إذا مشَيْنا على ما قال المُفَسِّر ففيه إشكالٌ كبيرٌ, وهو أنَّه يقتضي أنَّ تَسْويةَ آدَمَ بعد جعْلِ السُّلالَةِ من ماءٍ مهينٍ. وهذا خِلافُ الواقِعِ؛ يعني: تَسْوِيَة آدَمَ قبل أن تكونَ سلالَتُه من ماءٍ مهينٍ، فما هو الجوابُ عن هذا؟

الجوابُ من أحد وَجْهَيْنِ: إمَّا أن يُقالَ: إنَّ قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} هذه جُمْلَة مُعْتَرِضَةٌ لبيانِ أنَّ آدَمَ الذي كان من طينٍ كان نَفْسُه من السُّلالَةِ، ثم عاد إلى آدَمَ فقال: {ثُمَّ سَوَّاهُ}، وإمَّا أن يُقالَ: إنَّ هذا من بابِ التَّرتيبِ الذِّكْريِّ، وليس من باب التَّرتيبِ المَعْنَويِّ أو الوَقْتيِّ، والتَّرتيبُ الذِّكْريُّ موجودٌ في كلام العَرَبِ، ومنه قولُ الشَّاعِر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015