في نسبة طويلة باعتبارِ هذه المخلوقاتِ؛ يعني لا يكفيها ألفُ سنة ولا أَلْفَا سنةٍ ولا مائَةُ ألْفِ سَنَة، لأنَّ المخلوقاتِ عظيمةٌ لا يكفيها هذه المدَّةُ القصيرةُ؛ فإمَّا أن تُقاسَ بقُدْرَة الله أو تقاس بحَسَبِ واقِعِها، فإنْ قِسْتُمُوها بحَسَبِ قدرة الله أنها في لحظَةٍ فالأيَّام السِّتة ليسَ لها معنًى؛ وإن قِسْتُمُوها بحسب واقعها لا بحسَب قُدرة الله فإنَّ المخلوقاتِ عظيمةٌ جدًّا منظَّمَةٌ في غايَةِ النِّظام.
فالجوابُ على هذينِ الإيرادَيْنِ:
الأَوَّل: أن هذا بِحَسَبِ عِلْمِ الله، والله يعلم متى يكون.
والثَّاني: والجوابُ عنه أن يُقالَ: هكذا قال الله عَزَّ وَجَلَّ، وليس لنا أن نتعدَّى ما أخْبَرَنا الله به؛ لأنَّ هذا أمرٌ لا يَسَعُنا الإحاطَةُ به، وقد قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف: 51]. ونحن لا شكَّ نقيسُ هذه الأشياء بحَسَبِ قدرة الله لا بِحَسَبِ واقِعِها، فواقِعُها لا يعلَمُه إلا الله عَزَّ وَجَلَّ فإذن يجب أن تُقاسَ بِقُدْرَةِ الله، ويُقال: إنَّ تقديرَها في ستَّةِ أيَّام حسَبَ ما تقْتَضِيه حكمةُ الله عَزَّ وَجَلَّ، وليس لنا أن نتكلَّمَ في شيء من ذلك.
ولهذا، اليهود - لعنةُ الله عليهم - قالوا: إن الله تعالى خلقَ السَّمواتِ والأَرْضَ في ستَّة أيامٍ، ولما كان يومُ السَّبْتِ استراح! نعوذ بالله! وإنَّ يَوْمَ راحَةِ الله هو يومُ عيده، وجعلوا عيدَهُم السَّبْتَ وكَذَبُوا فِي هَذا فالله عَزَّ وَجَلَّ لا يَتْعَبُ حتى يحتاجَ إلى راحةٍ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: {اسْتَوَى} بمعنى علا، استوى على الشيء، وقد ذَكَرْنا فيما سبق أنَّ {اسْتَوَى} وردت في القرآن على أَرْبَعَةِ أوْجُه: مُطْلَقَة، ومُقَيَّدَة بـ (إلى)، ومُقيَّدَة بـ (على)، ومُقيَّدة بواو المعِيَّة: