ربوبيَّة خاصَّة؛ ثم بيَّنَ الله الحكمةَ من ذلك قوله: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا ... } إلخ.

والحكمة من اختلافِ التَّعبيرِ بين قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مِنْ رَبِّكَ} وهو أنَّه لما أراد أن يتبع أمْر القرآنِ من حيثُ هو قرآنٌ بيَّن أنَّه نازلٌ من ربِّ العالمين الذي يَعْتَمِدُ عليه هؤلاء العالمَونَ، فنُزِّلَ عليهم الكتابُ؛ لأنه لما كان ربَّ العالمين وجب على جميع العالمَينَ أن يَقْبَلوا هذا وأنَّه من ربِّنا؛ أمَّا في قوله تعالى: {مِنْ رَبِّكَ} فلأنَّه لما نُسِبَ الرَّسولُ عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلى الكَذِبِ في هذا القرآن ذَكَرَ الله تعالى ربوبيَّتَه الخاصَّة: {مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ} إشارةً إلى أنَّه رسولُ الله، وأمَّا المُنْذِر في القرآن فهو ربُّه الذي يعتني به ويَرُبُّه ربوبيَّةً خاصَّةً.

ففي الأوَّل من حيث وَصْفُ القرآنِ بأنَّه قرآنٌ قال: {تَنْزِيلُ مِنْ رَّبِّ الْعَالَمِينَ} وفي الثاني قال: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} الذي يَرُبُّكَ ربوبيَّةً خاصَّة، وأنت مربوبٌ له.

قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا} المفعولُ الثَّاني محذوفٌ تقديره (به)، ولكِنْ في المسألَةِ نَظَرٌ، إن كان مفعولًا به ففيه نظرٌ، ولكن لا شكَّ أنَّ التَّقْديرَ (به)، وأنه هو آلة الإنذارِ التي يُنْذَر به أي بِسَبَبِه، ولكن المفعول الثَّاني محذوفٌ عُرِف في غير ما ذكره المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: {لِتُنْذِرَ} به {قَوْمًا} العذاب، وإنما اخترت ذلك لما في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فُصِّلَت: 13]؛ وقد بيَّن الله عَزَّ وَجَلَّ في آيةٍ أخرى ما هو المنذَرُ به.

قوله رَحِمَهُ اللهُ: [{مَا} نافِيَة {أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} بإنذارِكَ] قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ} يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: إنَّ [{مَا} نافية] وفي سورة يس: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: 6] وهذا الذي قرَّرَه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ - أنَّ (ما) نافية - هو الصَّوابُ في إعرابها، وإن كان بعضُهُم ذكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015