{مِنْ عِبَادِهِ} يَتبيَّنْ لَكَ أن كونَهُم مِنْ عِبَادِ اللهِ يَمْنَعُ غَايَةَ المَنع أَنْ يَكُونُوا جُزْءًا مِنَ اللهِ عَزَّ جلَّ؛ لأَنَّ المعبُودَ غيرُ العَابِدِ، فَلَا يُمكِنُ أَنْ يكُونَ العَابِدُ جُزءًا مِنَ المَعبُودِ.

وقولُهُ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} المرَادُ الجِنْسُ. يَعْنِي أن جِنْسَ الإنسَانِ {لَكَفُورٌ} بَيِّنُ الكُفْرِ، فَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَال: مِنَ الإنسَانِ مَنْ هُوَ مُؤمِنٌ كَامِلُ الإيمَانِ؛ لأنَّنَا نَقُولُ: إنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الجِنْسُ، كقَولِهِ: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]، والمُؤمِنُ لَيسَ ظَلُومًا جَهُولًا، لكِنَّ جِنْسَ الإنسَانِ ظَلُومٌ جَهُولٌ.

وقَولُهُ: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} أَي: بيِّنُ الكُفْرِ، وذَلِكَ لأنَّ (بانَ) بمَعْنَى (ظَهَرَ) تَكُونُ بالهَمْزَةِ وتَكُونُ بغَيرِ الهمْزَةِ، بمَعْنَى أنّه يجوزُ لغَةً أَنْ تَقُولَ: بَانَ الفَجْرُ، وأبَانَ الفَجْرُ. وعَلَيه فيَكُونُ مَعْنَى {مُبِينٌ} أَي: وَاضِحُ الكُفْرِ، ولا شَكَّ أن الَّذِي يَقُولُ: الملائِكَةُ بنَاتُ اللهِ، أَوْ عِيسَى ابْنُ اللهِ، أَوْ عُزَيرٌ ابْنُ اللهِ. لَا شكَّ أنّه قَدْ كَفَرَ كُفرًا بَيِّنًا.

وتُستَعْمَلُ (أبانَ) بالهمْزَةِ متَعدِّيةً، يُقَالُ: أبانَ الشَّيءَ بمَعْنَى: أظْهَرَهُ، ومِنْهُ قَولُهُ تعَالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} الَّذِي سَبَقَ فِي أوَّلِ السُّورَةِ، أيِ: المُظهِرُ للحقَائِقِ المُبيِّنُ لها.

فإِذَا قَال قَائِل: هَلْ كُلَّما جَاءَ مِثْلُ هَذَا التَّعبِيرِ نَحمِلُهُ عَلَى الجِنْسِ؟

فالجَوابُ: لَا نَحمِلُهُ عَلَى الجِنْسِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا، وإِلَّا فالْأَصْلُ العُمُومُ، فقَوْلُهُ: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} [النساء: 28]، المُرادُ كُلُّ الإنسَانِ، لكِنْ إِذَا تَعَذَّرَ أَنْ نَحمِلَها عَلَى العُمُومِ جعَلْناهَا للجِنْسِ، وأَضْرِبُ لَكَ مَثَلًا يَتبَيَّنُ بِهِ المَقَامُ: الرَّجُلُ خَيرٌ مِنَ المرأَةِ. المُرادُ الجِنْسُ، ولَيسَ المَعْنَى: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجالِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015