وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عمران: 153] " فَرَجَعُوا فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، ثُمَّ لَنَقْتُلَنَّهُمْ، قَدْ خَرَجُوا مِنَّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْلًا فَإِنَّمَا أَصَابَكُمُ الَّذِي أَصَابَكُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ عَصَيْتُمُونِي» . فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُمُ الْقَوْمُ، قَدْ أُنْسُوا، وَقَدِ اخْتَرَطُوا سُيُوفَهُمْ، فَكَانَ غَمُّ الْهَزِيمَةِ وَغَمُّهُمْ حِينَ أَتَوْهُمْ " {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [آل عمران: 153] «مِنَ الْقَتْلِ» {وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} [آل عمران: 153] «مِنَ الْجِرَاحَةِ» {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا} [آل عمران: 153] الْآيَةَ، «وَهُوَ يَوْمَ أُحُدٍ» -[158]- وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} [آل عمران: 153] أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِحِرْمَانِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ غَنِيمَةَ الْمُشْرِكِينَ، وَالظَّفَرَ بِهِمْ، وَالنَّصْرَ عَلَيْهِمْ، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ الَّذِي كَانَ قَدْ أَرَاكُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا تُحِبُّونَ بِمَعْصِيَتِكُمْ رَبَّكُمْ، وَخِلَافِكُمْ أَمْرَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَمُّ ظَنِّكُمْ أَنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، وَمَيْلُ الْعَدُوِّ عَلَيْكُمْ بَعْدَ فُلُولِكُمْ مِنْهُمْ. وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مِمَّا خَالَفَهُ، قَوْلُهُ: {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} [آل عمران: 153] وَالْفَائِتُ لَا شَكَّ أَنَّهُ هُوَ مَا كَانُوا رَجَوُا الْوُصُولَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، إِمَّا مِنْ ظُهُورٍ عَلَيْهِمْ بِغَلَبِهِمْ، وَإِمَّا مِنْ غَنِيمَةٍ يَحْتَازُونَهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُ: {وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} [آل عمران: 153] هُوَ مَا أَصَابَهُمْ إِمَّا فِي أَبْدَانِهِمْ، وَإِمَّا فِي إِخْوَانِهِمْ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغَمَّ الثَّانِي هُوَ مَعْنًى غَيْرُ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَثَابَهُمْ غَمًّا بِغَمٍّ، لِئَلَّا يُحْزِنَهُمْ مَا نَالَهُمْ مِنَ الْغَمِّ النَّاشِئِ عَمَّا فَاتَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا مَا أَصَابَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ الْغَمُّ الْأَوَّلُ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْلُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} [آل عمران: 153] فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ مِنْ أَنَّهُ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ فَلَمْ تُدْرِكُوهُ مِمَّا كُنْتُمْ تَرْجُونَ إِدْرَاكَهُ مِنْ عَدُوِّكُمْ بِالظَّفَرِ عَلَيْهِمْ وَالظُّهُورِ وَحِيَازَةِ غَنَائِمِهِمْ، وَلَا مَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ جَرْحِ مَنْ جُرِحَ وَقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ قَبْلُ عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015