أَخَافُ زِيَادًا أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ ... أَدَاهَمَ سُودًا أَوْ مُحَدْرَجَةً سُمْرَا
فَجَعَلَ الْعَطَاءَ الْعُقُوبَةَ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِآخَرَ سَلَفَ إِلَيْهِ مِنْهُ مَكْرُوهٌ: لَأُجَازِيَنَّكَ عَلَى فِعْلِكَ، وَلَأُثِيبِنَّكَ ثَوَابَكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {غَمًّا بِغَمٍّ} [آل عمران: 153] فَإِنَّهُ قِيلَ: غَمًّا بِغَمٍّ، مَعْنَاهُ: غَمًّا عَلَى غَمٍّ، كَمَا قِيلَ: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] ، بِمَعْنَى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: أَثَابَكَ اللَّهُ غَمًّا عَلَى غَمٍّ: جَزَاكَ اللَّهُ غَمًّا بَعْدَ غَمٍّ تَقَدَّمَهُ، فَكَانَ كَذَلِكَ مَعْنَى: فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: فَجَزَاكُمُ اللَّهُ غَمًّا بِعَقِبِ غَمٍّ تَقَدَّمَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ الْقَائِلِ: نَزَلْتُ بِبَنِي فُلَانٍ، وَنَزَلْتُ عَلَى بَنِي فُلَانٍ، وَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ، وَعَلَى السَّيْفِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْغَمِّ الَّذِي أُثِيبَ الْقَوْمُ عَلَى الْغَمِّ، وَمَا كَانَ غَمَّهُمُ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا الْغَمُّ الْأَوَّلُ، فَكَانَ مَا تَحَدَّثَ بِهِ الْقَوْمُ أَنَّ نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، وَأَمَّا الْغَمُّ الْآخَرُ، فَإِنَّهُ كَانَ مَا نَالَهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ