الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152] يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} [آل عمران: 152] حَتَّى إِذَا جَبُنْتُمْ وَضَعُفْتُمْ، {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرُ} [آل عمران: 152] يَقُولُ: وَاخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ؛ يَقُولُ: وَعَصَيْتُمْ وَخَالَفْتُمْ نَبِيَّكُمْ، فَتَرَكْتُمْ أَمْرَهُ، وَمَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ الرُّمَاةَ الَّذِينَ كَانَ أَمَرَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُزُومِ مَرْكَزِهِمْ وَمَقْعَدِهِمْ مِنْ فَمِ الشِّعْبِ بِأُحُدٍ، بِإِزَاءِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ فُرْسَانِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَمَرَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152] فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ: مِنْ بَعْدِ الَّذِي أَرَاكُمُ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ بِالْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ هُوَ الْهَزِيمَةُ الَّتِي كَانُوا هَزَمُوهُمْ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ قَبْلَ تَرْكِ الرُّمَاةِ مَقَاعِدَهُمُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْعَدَهُمْ فِيهَا، وَقَبْلَ خُرُوجِ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا تَظَاهَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ قَالَ، وَسَنَذْكُرُ قَوْلَ بَعْضِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ قَوْلُهُ فِيمَا مَضَى