كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 147] «أَيْ فَقُولُوا كَمَا قَالُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّمَا ذَلِكَ بِذُنُوبٍ مِنْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوا كَمَا اسْتَغْفَرُوا، وَامْضُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينِهُمْ، وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ رَاجِعِينَ، وَاسْأَلُوهُ كَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبِّتَ أَقْدَامَكُمْ، وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَكُلُّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ وَقَدْ قُتِلَ نَبِيُّهُمْ، فَلَمْ -[122]- يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُمْ» وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ} [آل عمران: 147] النَّصَبُ لِإِجْمَاعِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا وِرَاثَةً عَنِ الْحُجَّةِ، وَإِنَّمَا اخْتِيرَ النَّصَبُ فِي الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ «إِلَّا أَنْ» لَا تَكُونُ إِلَّا مَعْرِفَةً، فَكَانَتْ أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ هِيَ الِاسْمَ دُونَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ مَعْرِفَةً أَحْيَانًا وَنَكِرَةً أَحْيَانًا، وَلِذَلِكَ اخْتِيرَ النَّصَبُ فِي كُلِّ اسْمٍ وَلِيَ «كَانَ» إِذَا كَانَ بَعْدَهُ «أَنِ» الْخَفِيفَةُ، كَقَوْلِهِ: {فَمَا كَانَ جَوَّابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} [العنكبوت: 24] ، وَقَوْلِهِ: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} [الأنعام: 23] ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الَّذِي يَلِي كَانَ اسْمًا مَعْرِفَةً، وَالَّذِي بَعْدَهُ مِثْلُهُ، فَسَوَاءٌ الرَّفْعُ وَالنُّصْبُ فِي الَّذِي وَلِيَ «كَانَ» ، فَإِنْ جَعَلْتَ الَّذِي وَلِيَ «كَانَ» هُوَ الِاسْمَ رَفَعْتَهُ وَنَصَبْتَ الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِنْ جَعَلْتَ الَّذِي وَلِيَ «كَانَ» هُوَ الْخَبَرَ نَصَبْتَهُ وَرَفَعْتَ الَّذِي بَعْدَهُ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ جَلَّ ثناؤُهُ: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} ، إِنْ جَعَلْتَ «الْعَاقِبَةَ» الِاسْمَ رَفَعْتَهَا، وَجَعَلْتَ «السُّوأَى» هِيَ الْخَبَرَ مَنْصُوبَةً، وَإِنْ جَعَلْتَ «الْعَاقِبَةَ» الْخَبَرَ نَصَبْتَ، فَقُلْتَ: وَكَانَ عَاقَبَهَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى، وَجَعَلْتَ السُّوأَى هِيَ الِاسْمَ، فَكَانَتْ مَرْفُوعَةً، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
-[123]- لَقَدْ عَلِمَ الْأَقْوَامُ مَا كَانَ دَاءَهَا ... بِثَهْلَانَ إِلَّا الْخِزْيُ مِمَّنْ يَقُودُهَا
رُوِيَ أَيْضًا: مَا كَانَ دَاؤُهَا بِثَهْلَانَ إِلَّا الْخِزْيَ نَصَبًا وَرَفْعًا، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ، وَلَوْ فُعِلَ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ «أَنْ» كَانَ جَائِزًا، غَيْرَ أَنَّ أَفْصَحَ الْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ عِنْدَ الْعَرَبِ