وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: (مُسَوَّمِينَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سَوَّمَهَا، وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: {مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125] بِكَسْرِ الْوَاوِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ سَوَّمَتْ لِنَفْسِهَا. وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مِنْ قَرَأَ بِكَسْرِ الْوَاوِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْلُ التَّأْوِيلِ مِنْهُمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ، بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ هِيَ الَّتِي سَوَّمَتْ أَنْفُسَهَا مِنْ غَيْرِ إِضَافَةِ تَسْوِيمِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ خَلْقِهِ. وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَخْتَارُ الْكِسَرَ فِي قَوْلِهِ: {مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 125] لَوْ كَانَ فِي الْبَشَرِ، فَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَوَصَفَهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهَا تَسْوِيمُ أَنْفُسِهَا إِنْ كَانُوا ذَلِكَ فِي الْبَشَرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَكَّنَهَا مِنْ تَسْوِيمِ أَنْفُسِهَا بِحَقِّ تَمْكِينِهِ الْبَشَرَ مِنْ تَسْوِيمِ أَنْفُسِهِمْ، فَسَوَّمُوا أَنْفُسَهُمْ بِحَقِّ الَّذِي سَوَّمَ الْبَشَرَ طَلَبًا مِنْهَا بِذَلِكَ طَاعَةَ رَبِّهَا، فَأُضِيفَ تَسْوِيمُهَا أَنْفُسَهَا إِلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ تَسْبِيبِ اللَّهِ لَهُمْ أَسْبَابَهُ، وَهِيَ إِذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بَتَسْوِيمِهَا أَنْفُسَهَا تَقَرُّبًا مِنْهَا إِلَى رَبِّهَا، كَانَ أَبْلَغَ فِي مَدْحِهَا لِاخْتِيَارِهَا طَاعَةَ اللَّهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً بِأَنَّ ذَلِكَ مَفْعُولٌ بِهَا.